المشكلة الرئيسية التي تعاني منها إفريقيا حالياً هي المجاعة؛ حيث يعاني 250 مليون شخص من سكانها من سوء التغذية، وهو رقم يعادل ربع عدد هؤلاء السكان، ويزيد عن مثيله قبل عشرين عاماً بمئة مليون نسمة على الأقل، رغم أن 70 في المئة من سكان القارة هم من المزارعين. فما الذي أدى إلى هذه المفارقة المذهلة؟ هذا ما يحاول الإجابة عليه البروفسور "كاليستوس جوما"، خبير التنمية الكيني والأستاذ بجامعة هارفارد، في كتابه "الحصاد الجديد... الابتكار الزراعي في إفريقيا". يقول "جوما" إن إفريقيا قادرة على تبديل حظها، والتحول من النقيض للنقيض، من خلال تحسين شبكة الطرق، وتدريب المهندسين والمزارعين، وتطبيق أساليب الري الحديثة المتطورة، واستخدام الطاقة الشمسية والتقنيات المتقدمة في الزراعة. وسجل إفريقيا في الزراعة، في رأي المؤلف، يدعو للتشاؤم، خصوصاً إذا ما عرفنا أن القطاع الزراعي قد شهد نمواً كبيراً خلال العقود الأربعة في مختلف أنحاء العالم، باستثناء إفريقيا التي تراجع فيها بشكل كبير. ومما يفاقم الوضع أن ظاهرة الاحتباس الحراري سوف تضرب إفريقيا بعنف إذ المعروف أن ثلاثة أرباع مساحة الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، عبارة عن مناطق جافة قاحلة سوف تزداد جفافاً باستمرار، خصوصاً مع النقص المطرد في منسوب مياه بحيرة تشاد. ومن المتوقع أن تؤدي الآثار الناتجة عن الاحتباس الحراري إلى خفض نصيب الفرد من الدخل القومي في بلدان القارة الإفريقية بنسبة 5 في المئة. ويدلل على حقيقة أن إفريقيا تستطيع من خلال السياسات الصحيحة، توفير الغذاء لجميع سكانها، بل وتحقيق فائض في محاصيل الغذاء العالمية، خلال جيل واحد فقط، ما سيمكنها من إنهاء اعتمادها على المساعدات الغذائية المقدمة من الخارج. بيد أن هذا الهدف الذي يقترحه المؤلف، يبدو متفائلاً بعض الشيء، لكنه يذكر بأن الهدف إياه قد تم تبنيه هذا العام من قبل أكبر كتلة تجارية في إفريقيا، وهي "السوق المشتركة لمنطقة شرق وجنوب إفريقيا"، والتي تضم 19 دولة. ويأتي صدور الكتاب في أعقاب عدد من الأزمات الزراعية الكبرى في إفريقيا، وبالذات في زيمبابوي حيث تحولت ملكية المزارع من الملاك البيض الذين كانوا يتمتعون بالخبرة ويمتلكون الإمكانيات المادية لتحقيق إنتاج زراعي وفير، إلى المزارعين السود من سكان البلاد، وهم في غالبيتهم فقراء وأميون لا تتوافر لهم المعرفة بأساليب الزراعة والري الحديثة، كما لا تتوافر لهم الإمكانيات المادية التي تمكنهم من تطوير إنتاجهم الزراعي. ويكتفي المؤلف إلى هذه الإشارة العابرة لأسباب المشكلة، ويتجنب الإسهاب في مناقشة القضية الأوسع نطاقاً، وهي قضية الإصلاح الزراعي في مختلف مناطق القارة، ودور هذا الإصلاح في زيادة الإنتاج، وتطوير العمل في القطاع الزراعي. في زيمبابوي لم تكن الأسباب آنفة الذكر فحسب هي المسؤولة عن تدهور الإنتاج الزراعي هناك، بل كان هناك سبب آخر يتمثل في أن نسبة لا بأس بها من الأراضي المصادرة من البيض، قد تم الاستيلاء عليها من قبل عائلة الرئيس موجابي وأقاربه ومساعديه وأنصاره. ويقول جوما إن مشكلة تدهور الإنتاج الزراعي لا تقتصر فحسب على زيمبابوي، وإنما تشمل أيضاً الدول الزراعية الكبرى في القارة. ففي دولة مثل كينيا مثلا فإن ما نسبته 30 إلى 40 في المئة من الأراضي الزراعية مملوكة حالياً لأشخاص لا دراية لهم بالزراعة. ويضيف بعض خبراء الزراعة سبباً مهماً لتراجع دور الزراعة في إفريقيا، وهو أن الحكومات الإفريقية ذاتها، قد قللت من أهمية الزراعة بتأثير من أوهام أيديولوجية مختلفة، ولم تبذل بالتالي الجهد الكافي لتطويرها. ويؤكد المؤلف أن الطرق، والبنية التحتية بشكل عام، والتقنيات المتطورة، هي المفتاح لتحقيق التطوير الزراعي، ورفع الإنتاج المحاصيلي في القارة السمراء، والقضاء على العديد من المشكلات التي تعاني منها وتجعلها متلقياً رئيسياً للمساعدات والهبات من دول العالم المتقدمة والغنية. ويلفت "جوما" انتباه قرائه لحقيقة مهمة أخرى وهي أن منطقة جنوب السودان وحدها يمكن أن تغذي قارة إفريقيا كلها، غير أن تلك المنطقة لم تدخل مجال الإنتاج الزراعي الكبير، بسبب ضعف الإمكانات وبدائية طرق الري والبذر والحصاد، وعدم توافر البذور والأسمدة والمبيدات، وصعوبة المواصلات... علاوة على الحرب الأهلية التي مزقت السودان وغيره من الدول الإفريقية لعقود طويلة، وكانت سبباً لتدهور قطاع الزراعة الذي كان كفيلاً وحده بالقضاء على الفقر، والجوع، في جميع أرجاء القارة. سعيد كامل الكتاب: الحصاد الجديد... الابتكار الزراعي في إفريقيا المؤلف: كيلستون جوما الناشر: أكسفورد يونيفرستي برس تاريخ النشر: 2011