إنه "اللاتغيير الذي لا يمكن الاقتناع به". أعترف بأن هذا التعبير لا يرقى إلى مستوى الشعار، ولكنه يمثل عموماً وصفاً عادلاً لواقع حالنا في أميركا بعد الصفقة التي عقدها أوباما مع "جمهوريي" الكونجرس بشأن الضرائب. غير أن هذا لا يعني أن الاتفاق لا يحمل بين ثناياه أشياء جيدة؛ ذلك أن تمديد التأمين على البطالة، وخفض الضرائب على الأجور، والحفاظ على الائتمان الضريبي الخاص بالرسوم الجامعية والوظائف ذات الأجور المنخفضة... كلها أمور ضرورية، حتى وإن كانت بعض المقتضيات، مثل الاستمرار في توفير تأمين البطالة وسط أعمق وأصعب فترة ركود منذ عقد الثلاثينيات، ينبغي ألا تكون موضع تساؤل أو تشكيك في أي بلد يدّعي الزعامة الأخلاقية. بيد أنه من غير الواضح إطلاقاً بأي حد من القوة ستمد هذه التدابير انتعاشنا المتعثر والمتعذر. ذلك أن الإبقاء على معدلات الضريبة على الدخل في مستواها الحالي لن يعمل إلا على إدامة الوضع الاقتصادي الحالي. صحيح أن تمديد التأمين على البطالة يُعد أكثر مقتضيات هذا الاتفاق فعالية للحفاظ على المال متداولاً -ولكنه لا يفعل شيئاً لرفع ذلك المستوى. ثم إنه على غرار معظم المقتضيات التي أتت من البيت الأبيض، فإن تأثيره إنساني ومضاد للانكماش أكثر من كونه تحفيزيّاً؛ وذلك لا يجعل تلك المقتضيات أقل ضرورة، إلا أنها في الوقت نفسه ليست حلاً وعلاجاً لمشاكل البلاد الاقتصادية. بيد أن الثمن الذي استخلصه "الجمهوريون" مقابل مواصلة هجومهم كان باهظاً على نحو غير عادي: توجيه المال العام لإغناء الأغنياء، على رغم قيام الدليل على أن ذلك لن يفعل شيئاً للاقتصاد. وهكذا، سيظل معدل الضرائب الأعلى على الأرباح في معدل 15 في المئة -ما يعني الاستمرار في فرض ضرائب على المداخيل المستخلصة من الاستثمارات بمستوى أدنى مقارنة مع معظم المداخيل المستخلصة من الأجور. والحال أن المال الذي يُستثمر في الشركات الأميركية هذه الأيام قد يُنفَق في الولايات المتحدة وقد ينفق أيضاً خارجها. والواقع أن الإعفاءات الضريبية الأخرى غير معقولة أيضاً؛ حيث سيسمح للشركات بخفض قيمة كل استثماراتها في المصانع والمعدات -وهو ما كان سيمثل فكرة جيدة لو أن الشركات الأميركية لم تكن تجلس على أموال تزيد على 1.5 تريليون دولار. أما المقترحات التي كانت ستخلق وظائف في أميركا، فيبدو أنها أسقطت في الصفقة الجديدة حول الضرائب؛ فبرنامج Build America Bonds، الذي مكَّن الحكومات الولائية من بناء المدارس والطرق بتكلفة أقل، ليس جزءاً من الحزمة، تماماً على غرار مقترح السيناتور "مارك وورنر" القاضي باستبدال الخفض الضريبي للأغنياء بائتمان ضريبي لخلق الوظائف. والواقع أنه حتى إذا نظرنا إلى هذه الصفقة باعتبارها أقرب شيء إلى حزمة تحفيز للاقتصاد يمكن أن تخرج من كونجرس يعرقل فيه "الجمهوريون" بشكل روتيني الإنفاق على الجميع باستثناء الأغنياء، فإنها تظل مع ذلك دون مستوى حزمة تنشيط الاقتصاد لعام 2009 -التي أنقذت ملايين الوظائف، ولكنها كانت مع ذلك أصغر من أن تعيد للاقتصاد عافيته. إن أفضل ما يمكن أن نقوله عن الاتفاق هو أنه يديم إلى حد كبير الوضع الحالي -ويجعله أكثر سوءاً أحياناً- وبخاصة الوضع القائم منذ ثلاثة عقود الذي يزداد فيه الأغنياء غنى على حساب الأميركيين العاديين. وقد تعهد أوباما خلال مؤتمر صحافي قبل أيام بمواجهة ذلك الوضع القائم خلال السنتين القادمتين، غير أن عجزه حتى الآن عن صياغة ذلك النقاش -على رغم أن معظم الأميركيين يتقاسمون معه معارضته تمديد الخفض الضريبي للأغنياء- مما يثير الغضب حقاً! ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس"