أضافت القمة الخليجية الأخيرة بأبوظبي لبنة جديدة للعمل الخليجي المشترك، وذلك بالاتفاق على فتح فروع للشركات الخليجية وإصدار إطار عام ومهم حول المحافظة على مصادر المياه في دول المجلس، مما سيساهم في حل معضلة المياه وتناقضاتها، ففي الوقت الذي تعتبر فيه منطقة الخليج من أكثر مناطق العالم فقراً في مصادر المياه، فإنها تعتبر في الوقت نفسه في مقدمة بلدان العالم الأعلى معدلاً في حصة الفرد من استهلاكها. أما القضايا الأخرى المهمة فقد تتم التوصية بسرعة إنجازها، وبالأخص الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة ومشروع السكك الحديدية، في الوقت الذي لا زالت فيه التفاوتات موجودة بشأن الاتحاد النقدي، مما يعني أن دول المجلس قد وصلت بعد ثلاثة عقود إلى مرحلة متقدمة من اتخاذ القرارات، إلا أن القضية الأساسية تتعلق بمدى الالتزام بتطبيق هذه القرارات التي لا زال العديد منها مؤجلاً على رغم مرور سنوات طويلة على الموافقة عليه. ولسنا هنا بصدد تقييم عملية التطبيق التي ربما تكون من اختصاصات الأمانة العامة، إلا أن القرار الخاص بالسماح بفتح فروع للبنوك الوطنية على سبيل المثال، الذي اتخذ منذ عشر سنوات تقريباً لم يطبق حتى الآن، إلا في حدود ضيقة جدّاً. والسبب يكمن في التناقض بين الاتفاقيات الخليجية المشتركة والتشريعات المحلية، فالقرار الخليجي على رغم أنه متخذ من قبل أعلى سلطة، إلا أنه بحاجة لمراسيم محلية حتى يجد طريقه للتنفيذ. وتبين التجربة السابقة أن تجاوب التشريعات المحلية مع الاتفاقيات المتخذة بصورة جماعية تتفاوت بين دولة وأخرى، فبعض الدول تتخذ قراراً محليّاً بالالتزام بعد ثلاثة أشهر، ودولة ثانية بعد سنة، وثالثة بعد ثلاث سنوات، ورابعة بعد خمس سنوات، مما يراكم هذه القرارات ويقلل من مساهمتها في تفعيل العمل الخليجي المشترك. وللخروج من هذا المأزق المعرقل، فإنه يمكن الاتفاق على ضرورة تفعيل القرارات الخليجية خلال ثلاثة أشهر من صدورها على أبعد تقدير أو الالتزام بتنفيذ هذه القرارات بصورة آنية وتعديل أو إلغاء التشريعات المحلية التي تتعارض مع القرار الجماعي، مثلما هو الحال في بلدان الاتحاد الأوروبي. والحال أن القرارات الجماعية المتخذة تعكس حرص كافة دول المجلس على تطوير العمل الخليجي، إلا أن المشكلة الأساسية تكمن في الأجهزة الإدارية الروتينية التي عادة ما تجد المبررات التي تؤدي إلى عرقلة تطبيق هذه القرارات. وفي هذا الصدد يمكن الاستفادة من تجربة الأمين العام السابق عبدالرحمن بن حمد العطية الذي عمل طوال تسع سنوات بإصرار وتفانٍ في خدمة دول المجلس وتحققت في عهده مكاسب مهمة، مما يوجب توجيه الشكر والتقدير له وللجهود الكبيرة التي بذلها. وعليه، فإن مهمة الأمين العام الجديد الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني، الذي سبقته إلى الأمانة العامة سمعته الطيبة وخبرته المهنية والإدارية الغنية، تكمن ليس في اتخاذ المزيد من اتفاقيات التكامل فحسب، وإنما أيضاً في تطبيق الاتفاقيات التي اتخذت ولا زالت معلقة من خلال تقوية البنية التشريعية الخليجية الموحدة، ومن خلال منح الأمانة العامة المزيد من الصلاحيات الخاصة بمتابعة وإلزامية تطبيق ما يتم الاتفاق عليه. وهذه المهمة التي تقف أمام الأمين العام الجديد ليست سهلة، وإن لم تكن في الوقت نفسه مستحيلة، وخصوصاً أنه سيعتمد على أرضية قوية تتمثل في أن هذه الاتفاقيات صدرت عن أعلى جهة في الهيكلية الإدارية لدول المجلس، مما يمنحها تفويضاً وسنداً قويّاً وترحيباً من مختلف المستويات في دول مجلس التعاون الخليجي الذي يطمح لاحتلال موقع متقدم من بين الاقتصادات العالمية في السنوات القادمة.