هناك الكثير من الأضرار والسلبيات التي تنتج عن الغش التجاري على الوضع الاقتصادي العام في الدولة، من قبيل زعزعة ثقة المستهلكين بالأسواق، وما ينتج عن ذلك من تأثيرات سلبية في القرار الاستهلاكي في الاقتصاد بشكل عام، الأمر الذي يؤدّي إلى عدم استقرار الأسواق، ويتسبّب في تراجع الطلب الاستهلاكي الذي يدفع بدوره إلى تراجع الطلب الكلي في الاقتصاد، خاصة أن الطلب الاستهلاكي عادة ما يكون هو المكوّن الرئيسي للطلب الكلي، ومن ثم حجم الاقتصاد في أي دولة، فعلى سبيل المثال يمثّل الطلب الاستهلاكي نحو 70 في المئة من حجم الاقتصاد الأميركي. لكن ليست التكاليف الاقتصادية هي العبء الوحيد الذي تتحمّله الدول جرّاء الغش التجاري، بل إن لهذه الظاهرة أضراراً اجتماعية لا تقلّ خطورة عن أضرارها الاقتصادية، فهي تمسّ المستهلك النهائي بشكل مباشر، فليس خافياً ما قد يصيب هذا المستهلك من أضرار صحيّة جراء استهلاكه سلعة غير صالحة للاستخدام أو تعرّضت لأي نوع من أنواع الغشّ من قبيل التلاعب في المكوّنات أو تواريخ الصلاحية. لذلك تولي الحكومات المختلفة في العالم قضايا الغش التجاري ومكافحته اهتماماً كبيراً وتضعها في مراتب متقدّمة على أجندة أولوياتها، وتنشئ لها كيانات مؤسسية قائمة بذاتها وذات ميزانيات كبيرة وعلى قدر كبير من الاستقلالية في اتخاذ القرارات، وعادة ما تكون هذه الكيانات تابعة للأجهزة التنفيذية العليا في الدول، لكي تتوافر لها القدرة على القيام بمسؤولياتها تجاه مكافحة تلك الممارسات الضارة. وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة ضمن الدول صاحبة الجهد الوافر في مكافحة الغش التجاري بجميع أنواعه، سواء تعلق الأمر بالسلع الغذائية أو الأجهزة والأدوات المنزلية والمنتجات الإلكترونية بما فيها من أجهزة وحزم برامج، وكذلك فهي لها تجارب ناجحة في مكافحة الغش التجاري في أسواق الخدمات، كمكافحتها ظاهرة الجرائم الإلكترونية التي أصبحت تثير القلق على مستوى العالم أجمع. وإذا كانت المسؤولية الكبرى في مكافحة الغش التجاري تقع على كاهل المؤسسات الرسمية، فإن هناك مسؤولية لا تقلّ أهمية تقع على المستهلكين أنفسهم وتدفعهم إلى ضرورة المشاركة بشكل فعال في مواجهة هذا الخطر في إطار ما يمكن تسميته "المشاركة المجتمعية في مكافحة الغش التجاري"، وهي المشاركة التي تسهم في سدّ البوابة الخلفيّة التي يستغلّها أصحاب الممارسات اللاقانونية للنفاذ إلى الأسواق وتهديد الأمن الاجتماعي والاقتصادي في الدولة. وتولي دولة الإمارات اهتماماً كبيراً بتحفيز "المشاركة المجتمعية في مكافحة الغش التجاري" عبر تنظيم حملات توعية واسعة لسكانها بمختلف فئاتهم وفي مختلف مناطق الدولة، وتحرص على توجيه هذه الحملات لأكبر شريحة ممكنة من السكان من خلال تعميمها في مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، بخلاف تنظيم المعارض والمنتديات التي تتيح للسكان التعرّف على ظاهرة الغش التجاري وأضرارها بشكل مباشر، لكن رغم ذلك ما زالت المشاركة المجتمعية في هذا الشأن لم ترقَ إلى المستوى المطلوب، وهي المشاركة التي ينبغي أن تتعمّق ليس في مواجهة ظاهرة الغش التجاري فقط وإنما في التعامل مع الظواهر السلبية كلها في المجتمع.