بفضل "ويكيليكس"، بات حتى بوتين يستطيع رفع حاجبه والزعم بأنه يعرف أكثر عن المبادئ الأميركية الأساسية والديمقراطية وحرية التعبير. والواقع أنه من المريح إلقاء اللوم على "أسانج"، الذي نشر التسريبات. فأسانج هو ملك المشاغبين والأشقياء، ولكن حديثاً فقط. غير أنه قريباً جداً سيحل محله أشخاص آخرون أكثر طموحاً، وبميول منحرفة، وشريرة. وهكذا، بتنا للأسف تحت رحمة أشخاص طائشين متعطشين للسلطة ينشطون متحررين من عبء المسؤولية والمحاسبة. "أسانج" ناشر يفتقر إلى حس المسؤولية (يلعب دور القناة)، وليس مرتكب الجريمة الأصلية. وإليكم بعض الملاحظات الجديرة بالتأمل: من طبيعة البشر مهاجمة الضعيف، وعلى ما يبدو فقد بتنا نحن الأميركيين وليمة اليوم. فالعالم يجد متعة كبيرة في تراجعنا بعد الإفراج عن وثائق سرية، فهذا رئيسنا، وعلى الرغم من أنه محط إعجاب، يُنظر إليه على أنه ضعيف بغض النظر عن عدد الغارات التي نشنها في أفغانستان. وهذه كوريا الجنوبية رفضت في البداية عرضنا التجاري اللطيف؛ بينما لا تتوانى الصين وروسيا وآخرون في انتقاد سياستنا النقدية. وفي غضون ذلك، يرى العالم أن الكونجرس متنافر الأصوات، بات عاجزاً عن تحقيق تقدم بشأن تدابير تنقذ اقتصادنا؛ هذا بينما يشاهد العالم سكاننا، الذين يعانون الإفراط في الأكل، يتدافعون لشراء مزيد من الخردة التي صنعتها عمالة رخيصة في بلدان غير صديقة؛ والصين تملك ديوننا. وبموازاة ذلك، يتفوق التلاميذ الصينيون على تلاميذنا ويتقدمون عليهم مسافة طويلة جداً، من القراءة إلى الرياضيات، لدرجة أننا بتنا نستنشق النقع الذي يثيرونه. نعني بذلك أن العالم بات يرى فينا الضعف. إنه اعتراف صادم لمعظم الأميركيين الذين نشؤوا وتربوا وسط الوفرة النسبية، وتفاؤل وطني، وشعار النوايا الحسنة. فقد عرفنا دائما أننا الأشخاص الطيبون، مثلما لاحظ حتى الأشخاص الذين انبروا للدفاع عنا في أعقاب تسريبات ويكيليكس. فهذا الصحفي الفرنسي رينو جيرار قال في مقال كتبه لصحيفة "لو فيجارو" اليمينية مؤخرا: "إن أكثر ما يذهل (في تسريبات ويكيليكس) هو أننا لا نرى أنانية في الدبلوماسية الأميركية؛ فهم يؤمنون حقاً بحقوق الإنسان في أفريقيا والصين وروسيا وآسيا. إنهم يؤمنون حقا بالديمقراطية وحقوق الإنسان". أجل، إننا نؤمن بها. ولكن يبدو أننا بتنا أمام عدد من الضرورات: أولاً، ضرورة الحفاظ على الهدوء، لأن الهستيريا لا تساعد. ثانياً، ضرورة الاعتراف بأن عالمنا قد تغير من حيث الأشياء التي يمكن توقعها باعتباره "خاصة" والتصرف تبعاً لذلك. ثالثاً وأخيراً، ضرورة مساهمة الجميع بينما نعمل على مصالحة طموحاتنا الإنسانية مع أنفسنا المنهارة. والواقع أنه باستثناء جيشنا، فنحن مترهلون، وأنا لا أتحدث هنا عن الحجم أو المقاس فقط، بل عن الانضباط الذاتي، وإرادتنا الفردية، واحترامنا الذاتي، ونظامنا التطوعي. علينا أن نكون شعباً يتحلى بالصفات التي أُريد له أن يتحلى بها: قوياً، وصلباً، ومنضبطاً، ورائداً، ومنتبهاً، وحكيماً، ومرحاً، ومتواضعاً، وبالخصوص واعياً بعيوبه. فنحن شعب لديه كل الإمكانيات والفرص التي يمكن أن يقدمها الكوكب. لكن العالم ما زال خطيراً، والضعيف يخسر دائماً. وهناك سخرية الساخرين، واحتفالات ويكيليكس. ولكن يمكننا أن نقوم بما هو ضروري – فنشد الحزام، ونتوخى الصرامة، ونمسك بالمجرفة. أما فعل أقل من ذلك، فيعني الاستسلام للعب دور الضحية. كاتلين باركر محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"