بقي الخليج العربي لعقود طرفاً غير مؤثر من أطراف العالم العربي في بعديه الاستراتيجي والجغرافي. ولكن هذا الواقع تغير بشكل جذري مع تراجع تأثير وحضور دول القلب، التي فقدت تدريجيّاً دورها القيادي وكأن الأدوار تبدلت وانقلبت، حيث تقدمت دول مجلس التعاون الخليجي لتحتل القلب في هذا العالم العربي بجميع أبعاده السياسية والاقتصادية والإعلامية والدبلوماسية والفنية والتعليمية والصحية. فقيمة الثروات النفطية حسب بعض الدراسات، وبمتوسط أسعار 100 دولار لبرميل النفط، تتجاوز 18 تريليون دولار، وقيمة ثروات صناديق السيادة والاستثمارات الخارجية لدول المجلس تصل إلى تريليوني دولار. وتتربع المملكة العربية السعودية الدولة العربية الوحيدة في مجموعة "العشرين" المنظمة المالية الأكبر في النظام العالمي. وفي المجمل، فهذه المعطيات لاشك تضع دول المجلس على الخريطة العالمية، وتمنحها مع العرب ثقلاً ووزناً دوليّاً كبيرين. مما يجعل دول المجلس لاعباً دوليّاً في مجالات مصادر وأمن الطاقة، والأسواق المالية، والاستثمارات، والأسواق. وهناك الدور التنموي المهم الذي تلعبه دول المجلس في تنمية البنى التحتية للدول العربية وغيرها، من خلال الصناديق الخليجية، إضافة إلى توظيف عدة ملايين من العقول والأيدي العاملة العربية. وتلعب دول الخليج دور المسعف ورجل الإطفاء والمساهم في نهضة وتمدن وتنمية دولنا العربية. فالمصالحات بين الأطراف العربية تقوم بها دول خليجية، وإعادة بناء ما تدمره الحروب الإسرائيلية في لبنان وفلسطين تتكفل به الأموال الخليجية. وقد حفِل الأسبوع الماضي بالعديد من التطورات والأحداث التي جعلت من منطقتنا محط الأنظار، وجعلت الأسبوع الماضي أسبوعاً خليجيّاً بامتياز بأبعاده السياسية والأمنية والاجتماعية والرياضية. مما يؤكد مكانة ودور دول المجلس إقليميّاً وعربيّاً بسبب القدرات المرتبطة بالقوة المرنة التي تملكها. وكان الحدث الأبرز القمة الخليجية الحادية والثلاثون في أبوظبي، العاصمة التي دشنت الشهر الماضي "مدينة فيراري" أكبر مدينة ترفيهية في العالم، والتي زارها عشرات الآلاف من الزوار من مختلف الأعمار. وطرحت على القمة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية والقضايا الإقليمية، من مشروع إيران وملفها النووي ووجوب الاستجابة لمطالب دولة الإمارات حول الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران، وحل المشكلة إما بالتفاوض أو بالتحكيم الدولي كما أوضح أمير دولة الكويت. وناقشت القمة أيضاً ملفات العراق والسلام ولبنان واليمن والسودان. واستضافت العاصمة البحرينية المنامة الأسبوع الماضي أيضاً الدورة السابعة لحوار المنامة، الحدث السنوي الأمني العالمي وبحضور مميز صنع الحدث واستقطب الاهتمام العالمي كعادته كل عام. وكان لافتاً الجلوس على الطاولة ذاتها لوزيرة الخارجية الأميركية ووزير الخارجية الإيراني. ولاشك أن الإنجازات الكبيرة التي نجحت دول ومجتمعات الخليج في تحقيقها قلبت المعادلة، وتمكنت خلال العقود القليلة الماضية من التحول من دول هامش في أطراف العالم العربي إلى قلبه القوي النابض. ومما يؤكد هذه الزعامة لدول الخليج وقيادتها للعرب الاعتراف العالمي بالدور الخليجي، عندما فازت قطر بجدارة كأول دولة عربية وإسلامية وشرق أوسطية بشرف استضافة أكبر حدث رياضي في العالم وهو نهائيات كأس العالم لكرة القدم في عام 2022، مما أحدث فائضاً من الإشادة لأن قطر حققت للعرب نقلة غير مسبوقة، وأنهت حقبة من الهزائم العربية، وجلد الذات ولوم الآخرين، والاستغراق في متاهات "نظرية المؤامرة" التي ظل العرب يرددونها جيلاً بعد جيل. كما أن فوز الكويت، للمرة العاشرة، ببطولة كأس الخليج التي أقيمت في اليمن، كان أيضاً محطة خليجية مهمة في تقدم وتميز الكرة الخليجية في محيطها العربي، فيما الاستعدادات جارية في قطر لاستضافة كأس آسيا الشهر القادم. لقد نجحت دول المجلس الست خلال العقود الماضية قي تحقيق إنجازات وقفزات تحسب لقياداتها، وفي تحسين مستوى المعيشة والارتقاء بمجتمعاتها إلى مصاف الدول المتقدمة، وبذلك أصبحت دولنا الخليجية رافعة للعرب جميعاً. وعلى أشقائنا العرب تفهم وتقدير ودعم الدور الخليجي لأنه ليس منافساً بقدر ما هو سند ورصيد وداعم للجميع.