مؤسف أن يدور الإنسان العربي بعد عقود طويلة حول نفسه وضمن نطاق حلقة مفرغة. فما زال بعد استقلال بلاده وحروب التحرير الطويلة، بعيداً بشكل ما عن الحرية! فبالنسبة له لا تزال الحرية، حلماً بعيد المنال. ومرير أيضاً أن يكون حال البعض هو البحث عن سوءات إخوانهم، أو الضحك من تعبهم أو غضبهم أو خذلانهم حين لا يعرفون أن حتى ما يسمى انتخاباً كان مجرد وهم جميل مختوماً بالشمع الأحمر ومكتوباً عليه "لا مساس". ولو تم استطلاع آراء العامة في بعض المجتمعات العربية، لقرأنا التشكيك في أقوالهم، وسيصبح ذلك هو لسان حال الإجابات، فكيف تسأل سجيناً عن رأيه في آراء سجانه؟ فإذا كان استطلاع رأي في قضية مجتمعية خطيرة في عالمنا العربي، غير واضح المعالم، ومحفوفاً بالخوف من الحقيقة، فأي نتيجة ننتظر؟ فلن يُعتد بنتائج استطلاع لم يَعتدْ أهله أن يقولوا الحقيقة. ففي بعض المجتمعات النامية، هناك قمع أسهم في تعطيل الإرادة الاجتماعية نحو التغيير، ولغة التنمية -التي كانت مفردة مستخدمة بكثرة إبان سنوات الاستقلال- صارت قديمة، ولم يعد أحد يبحث في مدى نجاحها، وإلى أي مكان وصلت. وكأن الخوف من إفادة دروب الفكر، تعني تهوراً سياسياً أو تغييراً سريعاً وقياسي الإنجاز، وهو في الحقيقة ترسيخ أولي لقيم الحوار واحترام الأفكار مهما كانت متضادة ومختلفة، ولكنها تتفق في الاحترام. ولعل المواطن العربي اليوم يفتقر في كثير من الأحيان إلى الاحترام، فهو لا يحظى بالاحترام وهو طفل، لأن والديه غالباً ما ينقضان على طفولته باحباطاتهما وسلبياتهما وفاقتهما. ويعاني الشيء ذاته، وهو على مقاعد الدراسة، حين لا يتعلم أكثر من الحفظ والتكرار والتظاهر بمعرفة أخرى ميتة الروح والفكر، ومعلم يصب عليه جهله. وفي العمل، قد تتم الإساءة إلى المرء عندما يُرقى من هو أقل ذكاء وكفاءة منه. وهكذا دواليك، وتستمر الدوامة في إهدار شأن هذا الإنسان ويصبح كغيره معطل الإرادة والتفكير. فالاحترام المطلق للإنسان كونه أفضل خلق الله، هو الذي حقق لأوروبا كل هذا النجاح وهذا التطور العلمي والاقتصادي. فالإنسان، هناك محترم منذ ولادته إلى أن يموت، بعكس ما يحدث في كثير من البلدان النامية، حيث الإهمال في تفاصيل الحياة العادية جداً. وهي ذات القاعدة التي أوصلت الإنسان إلى أن يفقد احترامه لذاته بالضرورة، لتستمر المشكلات بكل عنفها وقسوة نتائجها. كل ما يمكن، للمجتمعات النامية عموماً، المطالبة به اليوم ليكون شرارة البدء، هو فرض لغة الاحترام للطفل أولاً ليكبر، وهو معتد بذاته مدرك أن لإنسانيته احترامها، حتى ولو كان ذاك المخلوق الصغير. وقتها فقط سنرى النور في نهاية النفق الطويل، وستكون البداية لرؤى متماسكة الأركان ولمجتمع يقظ واع لواجباته وحقوقه. إلى أي مدى يصعب كسب الاحترام؟ إنه أسهل مما نتصور لأنه ببساطة يبدأ من الذات، حين نصدِّق فعلاً بأننا نستحق الاحترام، حتى وإن كان منجزنا الوحيد هو شعورنا وإحساسنا النبيل بالإنسان!