استطاعت د. هيلة حمد المكيمي، أستاذة العلوم السياسية بجامعة الكويت، أن تقدم لنا جميعاً، ما يُعد بحق، أول ورقة علمية شاملة، لخطوات دخول المرأة الكويتية مجلس الأمة، والذي تحقق عام 2009. ففي هذه الدراسة المعنونة بـ "العوامل المؤثرة في حصول المرأة الكويتية على حقوقها السياسية"، (مجلة العلوم الاجتماعية، العدد 3 - 2010). تناولت الباحثة مختلف مراحل القضية، وأهم ما حدد مسارها منذ أن بدأت عام 1971، بل منذ إقرار الدستور عام 1962. ولعل أكثر ما يتبلور في ذهن القارئ بعد الاطلاع على هذه الدراسة، حجم العمل والجهد والمثابرة من قبل المرأة الكويتية والجمعيات النسائية ومؤيدي حقوق المرأة السياسية، على امتداد أربعة عقود ونيف، لتدخل البرلمانيات الكويتيات الأربع د. أسيل العوضي ود. رولا الدشتي ود. سلوى الجسار ود. معصومة المبارك، تتويجاً لكل هذا الجهد الجماعي الكبير، قاعة مجلس الأمة، وتصبح المشاركة النسائية في الديمقراطية الكويتية حقيقة ماثلة، وباستحقاق لا جدال فيه. وتبدأ الباحثة حديثها منوهة بأن الدولة رحبت منذ إقرار الدستور عام 1962 بإسهام المرأة في مختلف مجالات الحياة، ولكنها عندما سمحت للمرأة بالتعاطي بالشأن السياسي، حجبت عنها حق الترشيح والانتخاب لمجلس الأمة. وهكذا تقلدت المرأة مختلف المناصب القيادية، وكان لها حضور متميز في الحملات الانتخابية من أجل دعم المرشحين الداعمين لقضية الحقوق السياسية للمرأة، كما ناصفت الرجل عام 1990 مسؤولية مقاومة الاحتلال. تكرس د. المكيمي 8 صفحات لبحث دور الحركة النسائية، وتعتبر أن هذا الدور قد امتد خلال الفترة من 1962إلى1990، قرابة الثلاثين عاماً، تخللها المؤتمر النسائي الكويتي الأول، الذي أقامته جمعية النهضة الأسرية بمنطقة العديلية في 15 ديسمبر 1971، كما تذكر نورية السداني في "تاريخ الحقوق السياسية للمرأة الكويتية"، 1994، عندما خرجت ما يقارب مائة امرأة كويتية من قطاعات مختلفة بأول عريضة تطالب بحقوق المرأة السياسية، سُلمت إلى رئيس مجلس الأمة. كما شهدت هذه الفترة بعض الانقسامات في الحركة النسائية وبخاصة في الموقفين الموافق والمعارض إزاء هذه الحقوق، مما أضعف الحركة. ويعود تاريخ الحركة النسائية في الكويت إلى بداية الستينيات، بعد استقلال البلاد عام 1961، حيث دعمت الدولة إنشاء الجمعيات النسائية. فقد تأسست في عام 1962 "جمعية النهضة العربية النسائية" كأول جمعية نسائية، وأشهرت رسمياً في 17 يناير 1963. وفي عام 1971 عُدل الاسم، بعد تراجع المد القومي إثر هزيمة يونيو ووفاة عبدالناصر وانعكاسات ذلك على الحياة السياسية الكويتية. واختير اسم "جمعية النهضة الأسرية"، برئاسة نورية السداني. وكان العمل النسائي، كما تقول دراسة د. المكيمي، قد شهدت انقساماً منذ البداية. "ففي حين مثلت جمعية النهضة الأسرية نساء الطبقة الوسطى، مثلت الجمعية الثقافية النسائية، التي تأسست عام 1963 نساء الطبقة التجارية". وقد اقتصرت العضوية في الثانية على النساء المتعلمات. وتضيف الباحثة، أن هذا التوجه، إلى جانب منع عضوية الطالبات، أضفى على الجمعية طابعاً نخبوياً أبعد عنها نساء الطبقة الوسطى. وفيما كان تركيز الجمعية الثقافية النسائية في ذلك الوقت "على الأنشطة الترفيهية للأعضاء والخيرية لمساعدة الفقراء ودعم القضايا العربية"، كان تركيز جمعية النهضة الأسرية "على قضايا المرأة كالتعليم ومشكلات الطلاق وتعدد الزوجات". وتتقدم د. المكيمي في ورقتها بمحاولة لتفسير سبق نساء "الطبقة الوسطى" في المطالبة بحقوق المرأة، فـ"غالبيتهن من الطالبات المتقدمات في السن والمتأخرات في تحصيلهن العلمي أو من غير حاملي الشهادة الجامعية، مما يقلل من فرص تقلدهن لوظائف ومناصب متميزة". وتضيف، مقتبسة عن نورية السداني، الرائدة النسائية الكويتية المعروفة، "إن الكثير من نساء الطبقة التجارية قد عبرت صراحة في ذلك الوقت عن ضرورة التريث، وأكدن أن الوقت لم يحن للمشاركة السياسية للمرأة". ويبدو أن الانقسام في الصف النسائي إزاء مسألة المشاركة السياسية عام 1973 كان واضحاً للعيان. وتقول السداني عن الموقف النسائي إنه كان "موقف المنصدم تجاه شيء جديد يبرز من خلال عدم وعيه بحقوقه، فكانت فئة مؤيدة واعية، وأخرى مؤيدة بلا وعي، وثالثة مؤيدة بغرض مصلحة تجيِّر أصواتها الانتخابية من أجل من يترشح من أهلها.. وكانت هناك فئة رافضة". وهذا يعني، تقول د. المكيمي، "فشلت الجمعيتان كلتاهما في رفع الوعي النسوي بشأن المطالبة بالمشاركة السياسية". ويأتي الإجراء الحكومي في السنة اللاحقة، 1974 بدمج الجمعيتين وسط هذا الانقسام، تحت مسمى "الاتحاد النسائي الكويتي" مثيراً للتساؤل. وقد تكوّن مجلس الإدارة من السيدات عبدالملك الصالح، سعاد الهولي، كوثر الجوعان، شيخة النصف، دلال المشعان، وانتخبت نورية السداني رئيسة للهيئة الجديدة. وبالفعل فإن ظهور بعض الصعوبات والفشل في تبني رؤية موحدة لقضايا المرأة الكويتية عرقل عملها. وقد بادرت "السداني" مع مجموعة من النساء بتأسيس "نادي الفتاة" وقبوله عضواً في الاتحاد. وقد عجلت تلك الخطوة في حل الاتحاد، بعد انسحاب الجمعية الثقافية من عضويته في عام 1977. كما حُلت "جمعية النهضة" عام 1980، لأسباب قيل إنها تتعلق بمخالفات مالية أو تقلص عضوية الجمعية. وتبرز ورقة د. المكيمي صورة مختلفة منسية مفاجئة من مواقف الشيخ سعد العبدالله الصباح. إذ كانت البلاد تمر آنذاك بمرحلة فراغ دستوري إثر حل البرلمان في عام 1976، وتعليق العمل بعدد من مواد الدستور. وحينما ظهرت بوادر عودة المجلس، تقول د. المكيمي، عقد ولي العهد -سمو الشيخ سعد- مؤتمراً صحفياً تطرق فيه إلى عودة الحياة النيابية، وأيد مشاركة المرأة السياسية قائلاً: "إنني شخصياً أؤيد ذلك، والأمر متروك لمجلس الوزراء". وعندما سعت نورية السداني في تأسيس "جمعية المرأة الكويتية"، رفضت وزارة الشؤون الطلب، بدعوى وجود جمعيتين نسائيتين تقومان بالغرض نفسه. تعقدت ظروف العمل النسائي أكثر فأكثر مع بداية الثمانينيات وبروز التيار الديني في الحياة العامة. وقد منيت الحركة النسائية في الكويت مع بداية هذه المرحلة، تقول الباحثة، "بمزيد من الانقسامات، إثر ظهور الحركات الإسلامية الرافضة لمشاركة المرأة السياسية، والمنادية بضرورة إنقاذ المجتمع من تلك القيم التغريبية". وقد اتسع نطاق هذا المد في المجتمع الكويتي خلال السبعينيات والثمانينيات، 1970-1990، لأسباب عدة، منها بروز التيار الإسلامي في العالم العربي، ومنها التشجيع الحكومي الداخلي لأسباب مختلفة، وهكذا بدأ النشاط السياسي للتيار السلفي الذي دخل المجلس عام 1981. وكان الاهتمام بتغيير طبيعة ومنطلقات العمل النسائي في الكويت ضمن أهداف عديدة أخرى للمد الإسلامي الحزبي وجماعاته. وكان هذا الاهتمام يشمل كذلك محاربة التعليم المشترك، الذي يسميه الإسلاميون "اختلاط". ويتضمن كذلك تغيير المناهج التعليمية بما يخدم أيديولوجية هذه الجماعات، والهيمنة على الحركة الطلابية ومن فيها من ذكور وإناث، بل وبث الدعاية الدينية المكثفة ضد خروج المرأة للعمل وأي مظهر من مظاهر تحرر واستقلال المرأة، وبخاصة أن الناشطات في مجال حقوق المرأة كان لهن دورهن في مجالات أخرى. فنورية السداني نفسها، كانت بين أولى العاملات في إذاعة الكويت، وعضواً في مجلس إدارة جمعية الروضة التعاونية في سنوات تأسيسها الأولى في السبعينيات، وأول مخرجة تلفزيونية بعد دراستها الإخراج التلفزيوني بالقاهرة عام 1964. وقدم الواقع الاجتماعي في الكويت والتوجه المحافظ المتدين خدمة أساسية للجماعات الإسلامية في هذا المجال. ويرى الباحث محمد منيف العجمي في دراسة نشرها عام 2000، أن "المجتمع الكويتي مجتمع قبلي بشكله العام، ومن هنا فإنه يأخذ موقفاً رافضاً تجاه دخول المرأة في المجال السياسي". وينوه الباحث إلى أن هذه النظرة "لا تزال موجودة في المجتمع الكويتي وبقوة، رغم تغيرها النسبي عن شكلها السابق الأكثر تشدداً وصلابة، حيث بدأت المرأة تدخل نواحي عمل عديدة ووصلت إلى أماكن قيادية رفيعة المستوى".