عندما طالبت في مقال الأحد الماضي بالتركيز على خيار توجه العرب إلى مجلس الأمن، لإصدار قرار بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو، لم تكن الولايات المتحدة قد أعلنت فشلها في إقناع إسرائيل بتمديد مهلة تجميد الاستيطان. اليوم ما زلت مصمماً على وجهة نظري، بل إنني أزداد تصميماً عليها خاصة بعد ما أعلن عباس أن هذا الخيار وارد في ختام مفاوضاته يوم الخميس الماضي مع مبارك في القاهرة. إننا لن نخدع أنفسنا بعد ذلك بتصور أن الولايات المتحدة تحت قيادة أوباما ما زالت قادرة على إحداث اختراق في موقف "اليمين" الإسرائيلي المتطرف، فالثابت من التجارب هو العكس حيث تمكن هذا المعسكر من إرغام أوباما على التراجع أمامه. وبناءً عليه فإننا عندما ندعو إلى التوجه إلى مجلس الأمن لا يخالجنا أي شك في أن الولايات المتحدة ستحبط مسعانا باستخدام "الفيتو"، ومع ذلك فإن هذه الخطوة ستمهد للخيار العربي التالي، وهو التوجه إلى الجمعية العامة تحت بند أو صيغة "الاتحاد من أجل السلم". في مقدور الجمعية أن تتخذ قرارات لها قوة الإلزام تحت هذه الصيغة لتعويض قصور مجلس الأمن وهناك يمكننا بالتأكيد الحصول على الأغلبية اللازمة من أصوات الدول. ومحاولات إسرائيل للتسخيف من هذا الخيار والسخرية منه لا يجب أن تنهانا عنه رغم معرفتنا بأن الإسرائيليين قد اعتادوا تجاهل القرارات الدولية بدءاً بقرار عودة اللاجئين رقم 194. ذلك أن صدور القرار الملزم بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة سيعني أن الدول العربية - بكامل عددها قد اعترفت مع سائر دول أفريقيا وآسيا وأوروبا - بالدولة الفلسطينية، وهو أمر سيفتح أمام المبادرة العربية للسلام أفقاً جديداً. تصوروا الوضع الجديد الذي سينشئه القرار حيث يمكن شن هجوم كاسح للسلام على إسرائيل المعزولة دولياً وتقديم عرض بسيط يقول للإسرائيليين انضموا إلى قرار الجمعية العامة واعترفوا بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة مقابل توقيع السلام واتفاقات التطبيع مع كافة دول المجموعة العربية. في تقديري أن تغيرات سياسية ستحدث آنذاك داخل إسرائيل. أما في حال عاندت إسرائيل ورفضت الدعوة، فإنه سيكون أمام العرب سلسلة من الإجراءات الدولية القادرة على تهديد مكانة إسرائيل في الأمم المتحدة. أحد هذه الإجراءات قد اقترحه عليّ مفكر قانوني مصري هو المستشار حسن عمر وخلاصة الاقتراح هو اتخاذ إجراء في الأمم المتحدة لتخفيض مكانة إسرائيل من صفة الدولة العضو إلى صفة المراقب. إنني أدعو السلطة الفلسطينية إلى عقد ورشة عمل عاجلة للمفكرين القانونيين والسياسيين العرب لوضع سيناريوهات التحرك بعد إصدار قرار الجمعية العامة. أرجوكم لا تضيعوا مزيداً من الوقت في آمال زائفة نعلقها بمعسكر "اليمين" الإسرائيلي الذي اغتال رابين واغتال معه فرصة الوصول إلى السلام عبر المفاوضات، أو نعلقها بإدارة أوباما المتراجعة أمام هذا المعسكر.