كما أكدنا سابقاً، تقدمت إسرائيل وتراجعت الإدارة الأميركية. سقطت كل الجهود التي بذلتها إدارة الرئيس باراك أوباما لإطلاق المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. رفضت إسرائيل تمديد فترة تجميد الاستيطان. وأصرّت السلطة الفلسطينية على تجميده انطلاقاً من مبدأ عدم التفاوض في ظل الاستيطان. جمّدت إسرائيل "نظرياً" الاستيطان في بعض المواقع مدة ثلاثة أشهر، وهذا أمر كانت الإدارة الأميركية تحتاجه لمواجهة الانتخابات النصفية في الكونجرس. لكن إدارة أوباما، خسرت المعركة الانتخابية، حيث فقد "الديمقراطيون" أغلبيتهم داخل مجلس النواب، وربحت إسرائيل الوقت والمعركة الاستيطانية. تل أبيب أصبحت هي أكثر قدرة على الضغط على الإدارة في الداخل الأميركي من خلال جماعاتها ومراكز نفوذها. وعندما انتهت انتخابات التجديد النصفي، شرعت في إطلاق حملة استيطانية كبيرة في مناطق مختلفة وخصوصاً في القدس. ثم ذهبت إلى سنّ قانون يربط بين الجنسية الإسرائيلية والولاء لإسرائيل "دولة يهودية". ثم إلى محاولة سن قانون يؤكد أن "القدس عاصمة للشعب اليهودي" إضافة إلى الاستمرار في عمليات القتل والتدمير والتهجير والحصار... اليوم سلمّت الإدارة الأميركية رسمياً بعدم القدرة على الإقناع في تجميد الاستيطان. وهذا يمكن اعتباره كما لو أن الولايات المتحدة قالت لإسرائيل: لديك الحرية في فعل أي شيء، وأن يدك مطلقة. وقالت للفلسطينيين كالعادة: هذا كل ما تمكّنا من تحقيقه لكم: لا شيء. السلطة الفلسطينية كانت تنتظر القرار الإسرائيلي. ولجنة المتابعة العربية كانت هي الأخرى تنتظر التطورات. الاثنان في مأزق. عناد إسرائيلي وإصرار على تنفيذ كل الشروط والخطوات التي رسمت من الأساس. وفشل وسقوط أميركي أمام إسرائيل وعدم اكتراث أميركي بكل ما يريده العرب... وموقف الولايات المتحدة الرسمي المعلن الذي نعى المفاوضات جاء بعد تطورات مهمة على المستوى الفلسطيني في أميركا اللاتينية. فالبرازيل أعلنت اعترافها بدولة فلسطينية مستقلة حدودها أراضي عام 1967. وتبعتها الأرجنتين التي أعلنت إن اعترافها المماثل سيأتي في عام 2011. والأوراجوي والباراجوي على الطريق. وربما البيرو وغيرها من الدول. ولا شك في أن مثل هذه المواقف تشكل تطوراً كبيراً في مسار القضية الفلسطينية. مع الإشارة إلى أن الإدارة الأميركية لا ترتاح أبداً إلى سياسات هذه الدول ومبادراتها تجاه عدد كبير من القضايا المطروحة في العالم وخصوصاً إلى مواقفها من الملف النووي الإيراني وبالتحديد موقف البرازيل شريكة تركيا في المبادرة التي أطلقت لمعالجة هذا الملف في مواجهة الضغط الأميركي الغربي على طهران. إن إعلان التسليم الأميركي بالضغط الإسرائيلي يعني إعلان الدخول في مرحلة جديدة من الإرهاب الإسرائيلي الشامل ضد الفلسطينيين الذي سيعبّر عنه بسلسلة من الإجراءات والممارسات والقرارات التي لا يمكن أن تولّد إلا المزيد من الحقد والعنف والكراهية... وبالإمكان القول إن الإسرائيليين واضحون. لديهم رؤيا ومشروع متكامل وخطط مختلفة جاهزة للتنفيذ. والأميركيون أعطوا الضوء الأخضر المفتوح لهم للقيام بما يشاؤون. أما الفلسطينيون، فهم لا يزالون منقسمين. وسينقسمون أكثر. سوف نشهد موجة جديدة من الاتهامات والاتهامات المضادة بين من راهن على التفاوض ووصل إلى ما وصل إليه، وبين من رفض التفاوض ودعا إلى التمسك بالحقوق والثوابت. ولكن كيف سيواجه هؤلاء وأولئك المرحلة الأميركية – الإسرائيلية الجديدة؟ الذين دخلوا في متاهات المفاوضات ضاعوا، وربما ضعفوا. تم التخلي عن جهودهم. وهم جزء من منظومة قد تكون غير فاعلة. هي الأخرى ضائعة في المنطقة وخارجها. والذين اختاروا "الجهاد"، مختلفون. فرئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية أعلن وبعد القرار البرازيلي المذكور الموافقة على دولة فلسطينية لحدود العام 67 على أساس إجراء استفتاء شعبي. إذا جاءت نتائجه مع هذا الخيار فحركة "حماس" توافق عليه. "الجهاد الإسلامي" ردّت على هذا الطرح باعتباره غير منطقي أو موضوعي أو ضروري. وهو ليس من عادات وتقاليد الحركات الإسلامية حيث لا استفتاءات على القضايا الأساسية. ويبدو أنه لا خطة ولا رؤيا لدى الفلسطينيين. والواقع يشير إلى أن العرب يزدادون ضعفاً وانقساماً. على سبيل المثال نجد مصر مستهدفة مائياً وسياسياً واقتصاديا،ً وهي تترقب التطورات المحيطة بها خاصة في السودان حيث نتائج الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب، وما يحمله من احتمالات انفصال "الجنوب" خلال الأسابيع المقبلة. وما أدراك ما سيولّده هذا الأمر، إلى العراق، والخليج كله إلى المغرب... الخلافات تعصف بين الجميع، فيما تحاول سوريا القيام بدور مركزي من خلال توسيع دائرة العلاقات مع الخارج، ومع تركيا وإيران في المنطقة، ومع السعودية فيما يخص قضايا أساسية لا سيما لبنان. إن المطلوب أكثر من أي وقت مضى الوصول إلى حد أدنى من التفاهم الفلسطيني - الفلسطيني، والعربي- العربي لتقليل الخسائر على الأقل لا أكثر وتجنّب الضياع في لعبة الفوضى التي سنشهدها في المنطقة. إنها المرحلة الأمثل لإسرائيل التي هزمت في لبنان وفي غزة والتي تحاول دائماً تحويل هزيمتها إلى انتصارات أو مكاسب فيما يعجز أصحاب الانتصارات العرب عن استثمار إنجازاتهم !