في خضم الحديث عن العراقيل التي تبتكرها إسرائيل من أجل اللاسلام الذي يبنى على الأرض، فإن موضوع «القدس» أخذ نصيبه في البروز على سطح القضية الفلسطينية من جديد، ليس في مجال التقسيم الذي أقر منذ عقود على أساس أن القدس قدسان غربية كعاصمة "أبدية" لإسرائيل، وشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية التي لم يسعها الورق إلى الآن. ولم يتم الفصل في هذا الأمر حتى هذه الساعة المقلوبة في عمر الزمن الإسرائيلي، فقبل الانتقال إلى أي مرحلة سلمية، جاء الحديث عن تحضير مشروع إسرائيلي للعرض على البرلمان من أجل نقل موضوع «القدس» من كونها عاصمة للدولة إلى عاصمة للشعب اليهودي قاطبة، ولذا يتحول البت فيها إلى كل فرد يهودي يعيش في أي بقعة من هذا العالم المتسع لإسرائيل والمضيَّق على أصحاب الحق الأصليين. فعندما تم القبول على مضض بمشروع تقسيم «القدس» كما هو شأن كل ما هو مقسم بين إسرائيل والفلسطينيين قسمة ضيزى، يراد بهذا الطرح الجديد أن يتم الاستيلاء على القدس ككل لصالح كل اليهود في العالم بغض النظر عن أماكن تواجدهم. ويراد من البرلمان أن يصدر حكماً جديداً يحيل الملكية الخاصة للقدس بالشعب اليهودي في إسرائيل إلى ملكية عامة تجعل من حق كل يهودي المطالبة بالقدس كلها عاصمة أبدية لليهود أينما وجدوا أو تناسلوا، في خطوة تضيف المزيد إلى البعد الديني لدولة إسرائيل التي تزعم أنها "علمانية" وهي تفعل عكس ذلك وبتقنين سياسي تدريجي، لا يملكه أصحاب الأرض التي سرقت منهم عنوة، فكل برلمانات العالم لم تنصفهم فيما أصبح معروفاً من السياسة بالضرورة. "القدس" في المباحثات النهائية أمر مفصلي وركن ركين في عملية السلام التي يراد لها النجاح "بالعافية" وبدون استخدام أي ضغط عالٍ ولا منخفض، خوف الفشل التام أو العودة إلى الصفر غير المفيد حسابيّاً ولا سياسيّاً. سلة الأفكار الإسرائيلية مليئة بالمفاجآت المعرقلة لأي جهد يبذل من أجل ردم الفجوات والنتوءات في الطريق للوصول إلى السلام المتعسر. والأعجب من ذلك، فإن كل التسهيلات العربية للسلام التي توضع مقابل العراقيل الإسرائيلية لم تجدِ نفعاً، بل تنتج ضرراً مضاعفاً على الأرض المحتلة التي يراد فك الاحتلال عنها بهذا الأسلوب من الالتواءات. فالفرصة العربية المتاحة لم تعد لها قيمة تذكر عند الجانب الإسرائيلي، والدفع الأميركي وهو الأقوى، قارب على الخفوت بعد أن لم تثمر مساعي أوباما وعشمه في نتنياهو شيئاً يوجب المضي قدماً كما كان حديث التفاؤل عند عشية انطلاق المباحثات المباشرة التي ولدت ميتة في أحشاء السلام المنتظر. فصورة السلام لدى إسرائيل عبارة عن إطار أجوف بلا مضمون يبنى عليه لمستقبل منظور، لأن المطلوب من العرب جميعاً أن يتحولوا إلى إطار للسلام دون أن يجنوا إيجابياته إلا من الصورة الحقيقية التي توضع في ذلك الإطار العربي الذي قد يرفع من اللوحة المعلقة دون الالتفات إلى ما يمكن أن تؤول إليه حالة الفلتان الذي يصعب احتواؤه إذا ما اندلعت واندلق ما في أحشائها من المنغصات السياسية التي تسيّل كل ما بني ويبنى من أوتاد لرفع خيمة السلام على العالم قبل أن تنهار على رؤوس الجميع بلا تمييز بين حق ومحقوق.