النتائج التي يمكن أن تتمخض عنها استضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم لا تتوقف على الجوانب الرياضية فحسب، وإنما هناك جوانب أخرى لا تقل أهمية، وبالأخص الجوانب الاقتصادية، مما يبرر هذا التنافس على استضافة هذه النهائيات التي تضع البلد المستضيف على رأس قائمة اهتمامات بلدان العالم لمدة زمنية طويلة. ومن هنا جاء تشريف دولة قطر باستضافة مونديال 2022 ليمهد لإحداث نقلة رياضية واقتصادية نوعية لقطر خلال العقد القادم، حيث نحاول هنا التركيز على الجوانب الاقتصادية الكبيرة التي ستجنيها قطر من هذا الحدث العالمي الكبير. أولًا، لابد من إبداء الإعجاب بالجرأة والإصرار القطري في التقدم بملف الاستضافة على رغم التحديات التنظيمية والمناخية والديموغرافية، وعلى رغم تحدي دول بحجم الولايات المتحدة واليابان، مما يعكس روح المبادرة والثقة بالنفس وإرادة التغلب على الصعوبات. اقتصادياً، ستتمكن قطر من استقطاب استثمارات تتراوح ما بين 15- 20 مليار دولار ستضخ في شرايين الاقتصاد القطري، وبالأخص في قطاع العقار والبنى التحتية، بما فيها الرياضية، مما سيؤدي إلى تطور هائل في هذه البنى سيضع قطر في مقدمة البلدان التي تتمتع ببنى تحتية متقدمة للغاية. وتزامناً مع ذلك سيشهد قطاع الخدمات الحيوي دفعة قوية من خلال تطوير المنشآت السياحية والفندقية وخدمات النقل والاتصالات، التي أصبحت تشكل نسبة مهمة من الناتج المحلي الإجمالي لمختلف بلدان العالم، وتساهم في تنويع مصادر الدخل الوطني. وفي جانب تنمية الموارد البشرية، فستتوفر للشباب القطري فرصة مثالية للتدريب واكتساب مهارات عالية في إدارة المرافق العامة وتنظيم المناسبات العالمية، مما سيؤهل قطر للاستمرار في استضافة الفعاليات العالمية وتحقيق مكاسب اقتصادية من ورائها. صحيح أن معظم هذه الأموال ستأتي من قطر نفسها، إلا أن استثمارها في هذه المناسبة سيحقق مكاسب مالية غير مباشرة كبيرة للاقتصاد القطري من خلال القادمين والزوار، وسيضع قطر بقوة على خريطة العالم من خلال الاهتمام العالمي بهذا الحدث. أما أهم القطاعات التي ستستفيد من هذا الحدث، فإن قطاع النقل الجوي، وفي مقدمته شركة الطيران، سيحقق مكاسب كبيرة وغير متوقعة. ومن ثم يأتي القطاع السياحي والخدمات الفندقية الذي يلعب دوراً متزايداً في الاقتصادات العالمية، حيث يتوقع أن تتحول قطر أثناء المونديال وبعده إلى منطقة جذب سياحي، وذلك بفضل مستوى الخدمات الراقي الذي تتمتع به. وبالاعتماد على القطاعين السابقين، فإن ثالث المستفيدين الكبار من هذا الحدث هو قطاع التجارة، الذي يتوقع أن يحقق بدوره نموّاً كبيراً بسبب الاهتمام العالمي المتزايد باقتصاد البلد المضيف لمونديال 2022، وبسبب ارتفاع الطلب المتوقع على مختلف أنواع السلع والخدمات في السنوات القادمة، وبالأخص تلك الخاصة بتنفيذ المشاريع الجديدة، هذا بالإضافة إلى التغطية الإعلامية العالمية التي لا تقدر بثمن. أما المكسب الآخر المهم للغاية، فيتعلق ببعض التوجهات التي تضمنها الملف القطري، المتعلقة بتطوير مصادر الطاقة البديلة والصديقة للبيئة، وبالأخص الطاقة الشمسية التي ستحول الملاعب الاثني عشر المقامة إلى أجواء ملائمة للأنشطة الرياضية، مما سيتيح لقطر التأسيس لمركز دائم لتطوير مصادر الطاقة البديلة التي تعتبر البديل المثالي والدائم لفترة ما بعد النفط. إذن الفوز باستضافة مونديال 2022 ليس رياضيّاً فحسب، وإنما هو اقتصادي واجتماعي وثقافي من خلال تلاقي ثقافات العالم في مكان واحد، مما يعد إنجازاً لقطر ولدول مجلس التعاون الخليجي والبلدان العربية ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، التي تقام فيها هذه المناسبة لأول مرة منذ انطلاق أول بطولة لكأس العالم بالأورغواي منذ أكثر من تسعين عاماً.