اختتمت القمة الحادية والثلاثون لمجلس التعاون الخليجي أعمالها في أبوظبي في أجواء هادئة ومريحة جداً، وكان من الواضح أن الاجتماعات سارت بسلاسة وأن القرارات اتخذت باتفاق بل وبإجماع، أما نقاط الخلاف والاختلاف فلم يسمح بدخولها قاعة الاجتماعات بل لم يسمح باقترابها من أجواء القمة. وما ميز هذه القمة التي أنهت أعمالها يوم الثلاثاء الماضي ليس فقط أن المجلس أكمل عقده الثالث، وإنما الأهم أنه رغم رحيل غالبية القادة المؤسسين، فإن المجلس ما زال قائماً والإيمان بدوره ما زال مستمراً من قبل قادته الجدد، وهذا يدل على الإيمان الخليجي العميق بمجلس التعاون وبأهميته... وفي ذلك رد على المشككين في بقاء المجلس واستمراره. أما البيان الختامي للدورة الحادية والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، فقد كانت أغلب بنوده تأكيداً لما تم الحديث عنه سابقاً، إلا أن الجديد حقاً كان في ثلاث نقاط هي: "إعلان أبوظبي"، وإقرار السماح بفتح فروع للشركات الخليجية، وإنشاء مكتب لحقوق الإنسان. أما "إعلان أبوظبي" فقد جاء ليضيف عنصرا مهماً إلى عمل المجلس، وليؤكد على قضية لم تنل الاهتمام الكافي من قبل، وهي قضية المياه في دول المجلس والتي تتطلب إعداد استراتيجية مستقبلية، خصوصاً أن دول المجلس تنتج حالياً نحو نصف المياه المحلاة على مستوى العالم للوفاء بمتطلبات التطوير والتنمية. وهذا الإعلان بمحاوره وعناصره المختلفة التي تم اعتمادها، يحتاج إلى تنفيذ سريع لأنه سيعود بالخير على دول المنطقة وشعوبها. وبالإضافة إلى موضوع الربط الكهربائي الذي تم تدشين مرحلته الأولى في العام الماضي، والاتحاد الجمركي، والسوق الخليجية المشتركة... قرر المجلس في قمة أبوظبي السماح للشركات الخليجية بفتح فروع لها في دول المجلس، وتطبيق المساواة التامة في معاملة فروع هذه الشركات كمعاملة فروع الشركات الوطنية، وهذه خطوة إلى الأمام ومن شأنها أن تدعم السوق الخليجية المشتركة. ومن الأمور الجديدة في قمة أبوظبي أن المجلس الأعلى بارك إنشاء مكتب حقوق الإنسان لمجلس التعاون، ضمن جهاز الأمانة العامة، والذي يختص بالعمل على إبراز ما حققته وتحققه دول المجلس من إنجازات في مجال حقوق الإنسان. وهذه خطوة مهمة في عمل المجلس، خصوصاً في المرحلة الحالية التي تثار فيها قضايا بين الفترة والأخرى حول حقوق العمالة بشكل خاص وحقوق الإنسان بشكل عام في دول الخليج والتي تحتاج إلى كثير من التوضيح لاسيما وقد لاحظنا بعض التقول من منظمات وهيئات تتصيد الأخطاء والحالات الفردية لتقوم بتعميمها والمبالغة في تصويرها. وعلى الصعيد السياسي أكدت دول المجلس موقفها الثابت والمعروف والذي أكدت عليه كافة بياناتها السابقة فيما يتعلق بدعم حق سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث، وعلى المياه الإقليمية والإقليم الجوي والجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة للجزر الإماراتية الثلاث باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من أراضي الإمارات. وأعرب القادة عن الأسف لعدم إحراز الاتصالات مع إيران أية نتائج إيجابية من شأنها التوصل إلى حل قضية الجزر الثلاث مما يسهم في تعزيز أمن واستقرار المنطقة، وأكدوا على أهمية التزام إيران بالمرتكزات الأساسية لإقامة علاقات حسن جوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعلى حل الخلافات بالطرق السلمية، وعدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها. كما جدد قادة مجلس التعاون تأكيدهم على أهمية تعزيز الحوار بين أتباع الحضارات والأديان والثقافات المختلفة، والحرص على بناء جسور التلاقي بين الشعوب والحضارات، وهو ما جسدته مبادرة خـادم الحرمين الشريفين، وأكدته المؤتمرات العديدة التي عقدت ضمن هذه المبادرة. وأكد المجلس الأعلى لمجلس التعاون على أن الحوار بين أتباع الحضارات والأديان هو السبيل الأنجع لتعزيز التفاهم والتعاون العالمي، بما يسهم في جلب الأمن، والقضاء على أسباب الصراع، وتوحيد الجهود لمعالجة المشكلات التي يعانيها العالم. ومن جديد أكدت قمة أبوظبي على مواقف دول المجلس الثابتة حول نبذ العنف والتطرف مؤكدة تأييدها لكل جهد إقليمي أو دولي يهدف إلى مكافحة الإرهاب، ودعت المجتمع الدولي إلى إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب لتبادل المعلومات والخبرات والتنسيق لرصد تحركات المنظمات والعناصر الإرهابية وإحباط مخططاتها. كما أكدت دول المجلس أهمية العمل على تجفيف مصادر تمويل الجماعات الإرهابية ومحاولاتها قياداتها في الخارج إيجاد موطىء قدم لعناصرها في الداخل ونشر أفكارها. وإلى جانب الجهود الرسمية الرامية لإنجاح تجربة مجلس التعاون، فإنه لا يمكن أن ننسى دور شعوب المجلس في ذلك النجاح، فقد لعب إيمان مواطني دول مجلس التعاون الخليجي بالمجلس وإصرارهم على استمراره، دوراً مهماً في ما تحقق من طموحات وآمال خليجية علقها الجميع على هذا المجلس. وينبغي القول إن مجلس التعاون الخليجي، وخلال الثلاثين سنة الماضية، لم يغفل جانباً من الجوانب المهمة التي تفيد دول المنطقة ومواطنيها، إلا وتناوله ووضع عشرات المبادرات والقرارات والأفكار بشأنه، وإن بقي الكثير من تلك الجوانب والقضايا محفوظاً في الأدراج. فمن الجميل أن نفكر في كل الأمور... لكن الأجمل أن ننفذ كل أو معظم ما فكرنا فيه واتفقنا عليه.