في ظل توقع بعض خبراء الاقتصاد الأميركيين اليوم سنوات من النمو البطيء والرواتب المتجمدة، بل وحتى التضخم، قد يرفع بعض الأميركيين العاديين حواجبهم استغراباً ويتساءلون عما يعنيه ذلك بالنسبة لهم. ولعل الجواب يكمن في تجارب مهندس نظم في الخامسة والأربعين من عمره يدعى هيروشي كي. وزوجته وابنيه. فبعد أكثر من عشر سنوات من عيش التجربة، باتت عائلة هيروشي تعرف كل شيء عن الركود والتضخم، الجيد والسيئ. فالقرض العقاري لشقتهم في إحدى ضواحي طوكيو، والذي يمتد على مدى ثلاثين عاماً، يحمل معدل فائدة لا يتعدى 2.5 في المئة. ومؤخراً، عندما اشترت العائلة تلفازاً عالي الوضوح بحجم 46 بوصة، حصلوا على خصم يعادل ثلث ثمن البيع الأصلي وهو 1450 دولاراً. كما أن زوجته تدفع 25 دولاراً مقابل تسريحة في صالون الحلاقة، وهو سعر أقل بالنصف مقارنة مع السعر الذي كان مطبقاً قبل عشر سنوات. هذا عن الخبر السار. أما الخبر غير السار، فهو أن العائلة اضطرت للانتظار أشهراً حتى تنخفض أسعار أجهزة التلفاز؛ علماً بأن معظم الخفض في الثمن مصدره الدعم الحكومي ورغبة المتجر في تحفيز وتشجيع الزبائن على الشراء. وإضافة إلى ذلك، فإن هيروشي لم ير زيادة مهمة في راتبه منذ عقد من الزمن، لذلك فإنه لا ينفق أكثر. كما أن شقته التي تبلغ مساحتها 93 متراً مربعاً مازالت قيمتها هي نفسها التي كانت عندما اشتراها قبل سبع سنوات. وإذا كانت قصة هيروشي تبدو مألوفة بالنسبة للأميركيين، فلأن الولايات المتحدة، العالقة في فترة ركود هي الأسوأ منذ أكثر من ثلاثين عاماً، قد بدأت تُظهر العديد من خصائص ما يسمى "العقد المفقود" في اليابان. وهي الفترة التي توقف فيها نمو اقتصاد مزدهر كان الكثيرون يتوقعون أن يهمين على العالم، ثم انزلق إلى دوامة تضخم مازالت مستمرة حتى اليوم. هيروشي، الذي كان جالساً تحت شجرة توت بحديقة يوينو أحد أيام الأحد مؤخراً، والذي طلب عدم نشر اسمه الأخير خشية رد فعل مُشغِّله على صراحته، تحدث عن تخوفات كبيرة يمكن أن يشعر بها ويفهمها العديد من الأميركيين مثل: الأمان الوظيفي، التقاعد، مستقبل أطفاله. وقال هيروشي وقد انقبض وجهه: "نظراً للظروف الاقتصادية غير الأكيدة، فإنني لا أستطيع أن أخطط لحياتنا المقبلة". وقال إنه سبق أن غير وظيفته خمس مرات منذ تخرجه من الكلية التقنية، وهو أمر لا يمكن التفكير فيه بالنسبة لجيل والديه، مضيفا: "لم يكن لديهما أبداً هذا النوع من القلق". والواقع أن عمليات التسريح الكثيرة والوظائف ذات الرواتب المنخفضة، ليست شيئاً جديداً في الولايات المتحدة. ففي فترات الركود، تلجأ الشركات الأميركية دائماً إلى تقليص أعداد العاملين لديها؛ غير أن الأزمات الاقتصادية الأميركية عادة لم تكن تدوم فترة طويلة، وكانت تتلوها فترات ازدهار طويلة وانفجار في عمليات التوظيف. أما الشيء المختلف اليوم، فهو إمكانية أن تدخل الولايات المتحدة بعد الركود الكبير فترةَ تباطؤ النمو، مع تضاؤل احتمال حل سريع. وإذا كان بطء النمو وارتفاع البطالة يميلان إلى خفض أسعار المواد الاستهلاكية، وكذلك أسعار المنازل في اليابان والولايات المتحدة؛ فإن انخفاض الأسعار، وهذا أمر قد يبدو مخالفاً للمنطق، يميل إلى ثني الناس عن الاستهلاك، وليس تحفيزهم، وذلك لأن الناس يترددون في القيام بعمليات شراء كبيرة لأشياء يعتقدون أن قيمتها ستتراجع قريباً، وخاصة المنازل. وإلى ذلك، فإن الأميركيين غارقون في الديون؛ والارتفاع المتواصل في البطالة جعل الكثيرين يشعرون بانعدام الأمان حتى وإن كانوا ما يزالون في وظائفهم. ورغم أن "الاحتياطي الفدرالي" حافظ على معدلات الفائدة منخفضة بشكل غير عادي بهدف تحفيز النشاط الاقتصادي، فإنه يسبح ضد التيار لأن الشركات مترددة في اقتراض المال والتوسع، وتتساءل ما إن كان المستهلكون المتأزمون سيشترون أكثر. ويشير العديد من المحللين، الذين يبحثون عن جانب مشرق، إلى أن الولايات المتحدة لديها اقتصاد أكثر دينامية من اليابان، في ظل حركية أكبر للعمالة وطاقة أعلى. وإلى ذلك، فإن عدد السكان الذين هم في سن العمل في الولايات لمتحدة لا يتقلص، خلافاً لما يحدث في اليابان. وأهم من ذلك أن المسؤولين الأميركيين درسوا الخطوات الخاطئة التي ارتكبها اليابانيون، لكن عدداً لا بأس به من خبراء الاقتصاد البارزين، مثل الحائز على جائزة نوبل بول كروجمان، لا يستبعدون إمكانية انزلاق الولايات المتحدة إلى طريق مظلم تنهار فيه الأسعار والرواتب، ويصاب فيه الاقتصاد بالركود. وقد يتبين أن الوضع، من بعض النواحي، أكثر سوءاً بالنسبة للأميركيين مقارنة باليابانيين، لأن قوانين اليابان ومؤسساتها تقدم دعماً أكبر للعمال، وأصحاب المنازل وزبائن البنوك الذين يعانون مشاكل. وفي هذا السياق، يقول "آر. تاجرت مُرفي"، أستاذ الإدارة العالمية بجامعة تسوكوبا في طوكيو: "قد نحسد اليابان في غضون بضع سنوات". دون لي - طوكيو ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"