مراعاتنا للمحظور شيء مفروض لا مناص منه خوفاً من عواقبه، لكن لما اختلط كل شيء ما عاد الخوف يخيف بل فقد فاعليته. فهذا ويكيليكس يمضي في نشر ما يحفظه من ملفات نفذت إليه بقدرة قادر، وذاك الشيخ الديني يهدد على المكشوف ولم يعد يفكر بأنه معين ويستلم راتباً من حكومته. والقصة كما نشرتها "الدستور" المصرية في عددها ليوم الأحد 5 ديسمبر هي أن أحد أئمة وزارة الأوقاف بمصر، شن هجوماً كاسحاً على القادة العرب. والطريف في القصة أن الشيخ ربط ما يحدث بعلامات الساعة، إذ يزعم أن هؤلاء القادة ليسوا على قدر المسؤولية، وأنهم ضيعوا الأمانة، مسترشداً بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "إذا ضُيّعت الأمانة فانتظروا الساعة". جاء ذلك في خطبة الجمعة للشيخ بمسجد الهدى النبوي في الجيزة. وللدقة ننقل بالنص ما نشر: "إن الحكام العرب أهملوا مسؤولياتهم تجاه شعوبهم من خلال اختيار مسؤولين ووزراء غير مؤهلين وليسوا أهل اختصاص مما ساهم في انتشار الفساد والمحسوبية والرشوة، وانتشار البطالة وتدني الحالة الاقتصادية لأغلب المواطنين، خاصة في ظل عدم تكافؤ الفرص". وأضاف الشيخ مهاجماً إخواننا في قطر لقبولهم تنظيم كأس العالم إذ أنفقوا أموالاً طائلة وليس مكانها. ووقف الرجل مع مشاكل الشباب والفقراء والمساكين واعتبر أنهم سقطوا جميعاً من حسابات القادة لكون الأخيرين اختاروا البهرجة والأمور الشكلية التي اعتبرها خادعه وبراقة، مستشهداً بقول الرسول عليه الصلاة والسلام حينما سئل: متى الساعة؟ فقال: إذا وصل الأمر لغير أهله. والشيء اللافت هو هجومه على المؤسسات الدينية التي يتم اختيار قياداتها بالتعيين من قبل الحكومات حيث اعتبر التعيين إضعافاً لتلك المؤسسات كونها تصدر فتاوى سياسية معلبة تباع في الأسواق، وهذا ما أتفق فيه مع الشيخ. وبمناسبة المؤسسات الدينية، فقد بهرني ما صرح به وكيل الأوقاف المصرية، في نفس الصحيفة حيث اعتبر غياب العدالة الاجتماعية وتفاوت الدخول سبباً لانتشار نبت التطرف، وطالبَ المؤسسة الدينية التي يعمل فيها بتغيير خطابها، حيث غلب عليها الروتين والتقليد، كما يقول، في مجالات الوعظ، وطالبها بالتحول لمؤسسات فعالة وقادرة على تقديم إجابات عن تساؤلات الحياة المعاصرة والتكيف مع الواقع الراهن. كما دعا إلى فتح قنوات الحوار مع العالم الخارجي بتنوعه العقائدي والثقافي لمواجهة التطرف، وأكد على ضرورة مراجعة مناهج التعليم وتضمينها قيم الحوار والنقد والتعايش وإقرار حقوق الآخرين، وإعادة النظر في التراث الإسلامي بما يضمن قيم التعددية السياسية والحرية الفكرية. ولما قرأت ذلك بتمعن وتمحص، تذكرت حكاية حصلت منذ فترة، خلال زيارة لمصر، مع سائق التاكسي لما سألته: حضرتك من أي حزب؟ فقال: أنا من حزب الشعب. ولجهلي السياسي طلبت منه أن يعرفني بحزبه فقال: حزب "ملوش" دعوة بالانتخابات، ففهمت قصده والتزمت الصمت وكان صمتي بمثابة دافعية له كي يسألني عن مقتل ثلاثة من القادة العرب حددهم بالأسماء: الملك فيصل والرئيسين السادات وصدام، ولما ذكر الاسم الأخير شعرت بسعادة وخرجت ابتسامتي، فقال: أنت كويتي! وهنا نظرت لعينيه لأعرف إذا كان صاحبنا فوق السطوح أم تحتها فرد وقال: لا ده ولا داك، إنما عايز أعرف إيهي اللي بيربط بينهم! فقلت له: الرحمة عليهم، فهم من أمة الإسلام والعروبة إلا صاحبك صدام فهو ليس منهم. السؤال جيد بمضمونه والخوف حاضر معنا، لذا كانت الإجابة صعبة علينا.