يعدّ الاقتصاد الإماراتي من الاقتصادات القليلة على مستوى العالم التي حافظت على أدائها الإيجابي ومن ثم الخروج من أسوأ مراحل "الأزمة المالية العالمية" دون خسائر تذكر، فرغم استمرار التداعيات السلبية لهذه الأزمة حتى الآن، الأمر الذي قلّص فرص النمو والتعافي لدى العديد من الاقتصادات، فإن الاقتصاد الوطني ما زال يؤدّي ويتحرّك بشكل إيجابي، بل هو حالياً أكثر إيجابية وديناميكية مقارنة بالمراحل الأولى من "الأزمة المالية". ويمكن رصد ذلك من خلال ما طرأ على حجم أعمال الشركات الخاصة العاملة في الدولة من زيادات خلال الأشهر الأخيرة، وهو الأمر الذي أكّده بنك "إتش إس بي سي" في تقريره الأخير، الذي أظهر إلى جانب ذلك حدوث زيادات متوالية في قيمة "مؤشر الأداء الاقتصادي الرئيسي" للاقتصاد الإماراتي على مدار الأشهر الماضية. وقد شهد شهر نوفمبر الماضي زيادة كبيرة في حجم الأعمال الجديدة لدى شركات القطاع الخاص العاملة في القطاعات غير النفطية في الاقتصاد، ما يدلّ على أن الطلب الكلّي في الأسواق المحلية بات على قدر كبير من الفاعليّة، وأن هذا الطلب بات قادراً على استيعاب المزيد من المنتجات، ما أعاد النبرة التفاؤلية لدى هذه الشركات ودفعها إلى توسيع حجم أعمالها لتعويض التراجع في حجم مخزونها الاستراتيجي من السلع، الذي نتج بدوره عن السحب المتتالي منه خلال الأشهر الماضية لتلبية الاحتياجات المتزايدة للأسواق المحلية. وتشير هذه المعطيات إلى أن الاقتصاد يسير حالياً على الجزء الصاعد من منحنى الأداء، وأنه يتمتّع بدرجة عالية من الديناميكية التي تمكّنه من استكمال التعافي من آثار "الأزمة المالية العالمية" التي تسبّبت خلال مراحلها الأولى في تقليص حجم الطلب الكلّي، ليس على مستوى الاقتصاد الإماراتي فقط بل على مستوى الاقتصاد العالمي أيضاً، ما دفع جميع المؤسسات، سواء الحكومية منها أو الخاصة، إلى تقليص أحجام أعمالها في تلك الآونة. ويعدّ تمكّن الاقتصاد من التغلّب على المظاهر السلبية لـ"الأزمة المالية" حتى الآن، دليلاً على أنه بدأ في قطع خطى جديدة بثبات على طريق التعافي الكامل من هذه الأزمة، وأن القوى الإيجابية التي بناها الاقتصاد الوطني لذاته، على مدار الفترات الماضية، باتت أشد قوة وتأثيراً من القوى السلبية التي ما زالت تولّدها "الأزمة المالية" على المستوى العالمي، وهو ما يعني بدوره أن الاقتصاد قد وضع أقدامه بالفعل على طريق التعافي الحقيقي من تداعيات "الأزمة المالية" دون انتظار تعافي الاقتصاد العالمي. وتعدّ هذه المؤشرات الإيجابية بدورها بادرة إيجابية بالنسبة لأداء الاقتصاد الإماراتي خلال الفترات المقبلة، حيث إنها ستمثّل قوة دفع إيجابية لعجلة النمو الاقتصادي في الدولة، لتسهم بشكل فاعل في زيادة وتيرة هذا النمو، والمتوقع أن يرتفع من نحو 2.3 في المئة خلال عام 2010 إلى نحو 4.3 في المئة خلال عام 2011، كما ورد في تقديرات "معهد التمويل الدولي". وإلى جانب ذلك فإن عودة النبرة التفاؤلية لدى الشركات العاملة في دولة الإمارات، وبهذا الشكل، تمثّل آلية مهمّة لدفع اقتصاد منطقة الخليج العربية بشكل عام نحو استكمال التعافي من آثار "الأزمة المالية"، في ظل الدور المتميّز الذي يحتله الاقتصاد الإماراتي كبوابة ومركز للأعمال والأنشطة الاقتصادية في المنطقة كلها. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية