بات العديد من صناع السياسات ورؤساء الشركات الكبرى ينظرون إلى أهم وأبرز طريقة لخفض الاحترار الأرضي – خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عبر اتفاقية ملزمة – باعتبارها عصية وصعبة المنال في الوقت الراهن. ونتيجة لذلك، بدؤوا يوجهون اهتمامهم بدلاً من ذلك نحو هدف أكثر قابلية للتحقيق هو: خفض غازات أخرى من الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض. فبينما انطلقت أعمال الاجتماع السنوي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، الأسبوع الماضي في كانكون بالمكسيك بهدف وضع أسس اتفاقية مقبلة، ركز العديد من الخبراء على عمليات الخفض الأكثر فورية للمواد الكيماوية الصناعية والسخام والميثان، وجميعها مواد تساهم في ارتفاع الحرارة على المدى القصير. وتعليقاً على هذا الموضوع، قال "راف بوميرانس"، زميل منظمة "هواء نقي- كوكب بارد"، إن حملة لخفض الانبعاثات الأخرى المسببة للاحتباس الحراري من غير ثاني أكسيد الكربون "يمكن أن توفر زخماً يحتاجه العالم بخصوص عمليات خفض مهمة للغازات المسببة للاحتباس الحراري". وفي هذا الإطار، يرتقب أن تطلق الولايات المتحدة وكندا والمكسيك اعتباراً من هذا الأسبوع مبادرة خاصة بأميركا الشمالية لخفض مركبات الهيدروفلوروكربونات (HFCs)، التي تستعمل كمبردات صناعية، إلى جانب الميثان والكربون الأسود الذي ينبعث من بعض محركات الديزل وأفران الحطب. كما كان مرتقباً أن يضغط مفاوضو الأمم المتحدة في كانكون في اتجاه تبني لغة تفسح الطريق أمام إنهاء تدريجي لمركبات الهيدروفلوروكربونات في إطار اتفاقية منفصلة حول المناخ. وفي مؤشر آخر للتحرك في هذا الاتجاه، أعلنت 400 شركة كبرى مثل كوكاكولا وبيبسيكو ويونيليفر و"وولمارت" يوم الاثنين أنها ستتوقف عن استعمال مركبات الهيدروفلوروكربونات في المعدات الجديدة بحلول 2015. وقال "دانييل ريفشنايدر"، نائب وزير البيئة الأميركي إنه ومسؤولين أميركيين آخرين يعتقدون أنهم يستطيعون تقليص هذه الغازات المسببة للاحتباس الحراري – التي لا تبقى في الجو فترة طويلة مثل ثاني أكسيد الكربون – وذلك بموازاة مع مواصلتهم إحراز تقدم تدريجي بخصوص المشكلة الأكبر: الانبعاثات الصادرة عن المصانع والمركبات. وقال "ريفشنايدر" في حوار معه: "نعتقد أن لدينا إمكانية كبيرة لفعل شيء ما حيال هذا الأمر بسرعة"، مضيفاً "إذا تحركنا اليوم، فإننا سنستطيع أن نتجنب مشكلة ستمثل 20 في المئة من مشكلة الغازات المسببة للاحتباس الحراري بحلول 2050". وتأتي هذه الانبعاثات من العديد من المصادر ولديها تأثيرات مختلفة على المناخ، غير أن القضاء عليها يمكن أن يؤخر ارتفاع حرارة الأرض بـ 40 سنة، حسب "دوروود زيلك"، رئيس معهد الحكامة والتنمية المستديمة، وهو منظمة غير ربحية مقرها واشنطن. وقال "زيلك" في حوار معه عبر الهاتف من كانكون: "إنها أكبر وأسرع بوليصة تأمين نستطيع شراءها بينما نبحث سبل حل مشكلة ثاني أكسيد الكربون". فالميثان، على سبيل المثال، وهو ثاني أشهر غاز من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، لديه تأثير أكبر بكثير على المناخ لكل طن مقارنة مع ثاني أكسيد الكربون على المدى القصير، ولكنه لا يطلق بكمية كبيرة ويتبدد بسرعة أكبر. ويمكن للتخلص التدريجي من مركبات الهيدروفلوروكربونات التي تستعمل في كل شيء، من آلات البيع إلى المكيفات الهوائية، أن يخفض ما يعادل 88 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون ويمثل نحو 8 في المئة من تخفيضات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بحلول منتصف القرن. والجدير بالذكر أن عدداً من المنظمات البيئية مثل "السلام الأخضر" و"صندوق الحياة البرية العالمي" تضغط على الشركات العالمية منذ سنوات من أجل إقناعها بخفض إنتاجها للكربون، جزئيا عبر استبدال المبردات الطبيعية مثل الهيدروكربونات والأمونيا. وقد وصفت مديرة الحلول في "السلام الأخضر" إيمي لاركن، التي قامت منظمتها بتطوير أول ثلاجة بالهيدروكربونات سنة 1992، إعلان الإنهاء التدريجي للمبردات الصناعية باعتباره "خطوة أولى مهمة ستعبد الطريق أمام تغيرات كبيرة في القطاع". ومن جانبها، قالت المتحدثة باسم شركة كوكاكولا ليزا مانلي إنه على الرغم من أن المبردات الطبيعية أكثر كلفة من المبردات التقليدية، فإن مسؤولي الشركة يأملون أن يخفض التعهد الجديد التكاليف عبر تحديد "نطاق وحجم هذا الالتزام". وكانت شركة كوكاكولا قد بدأت تركيب مواد عزل خالية من مركبات الهيدروفلوروكربونات في معداتها في 2006؛ وقد أنفقت 60 مليون دولار على البحث ولتطوير لإيجاد بدائل لمركبات الهيدروفلوروكربونات. وفي هذه الأثناء، يقوم أعضاء مجلس القطب الشمالي - الذي يضم خمس دول اسكندنافية والولايات المتحدة وكندا وروسيا – ببحث ودراسة سبل خفض مستويات الكربون الأسود. ومعلوم أن السخام يعتبر تهديداً عاماً ويمتص أشعة الشمس عندما يكون فوق الثلج والجليد، الأمر الذي يسرع ارتفاع الحرارة ويؤدي إلى ذوبان الكتل الجليدية الضخمة. وقال "فريديريك هنيرز"، رئيس قسم جودة البيئة في وزارة البيئة السويدية، في حوار معه إن أهمية خفض الكربون الأسود "بدأت تتضح علمياً في السنوات الأخيرة فقط"، مضيفاً "لقد بتنا اليوم نرى الإمكانيات المتاحة في هذا المجال، من الناحية الصحية ومن الناحية المناخية". جولييت إيلبرين كاتبة متخصصة في الشؤون العلمية ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"