خبر مع قهوة الصباح "ألقت الشرطة القبض على فلان الفلاني بجناية أو جنحة حسب وزن فلان السياسي، وستبدأ إجراءات التقاضي فور انتهاء النيابة العامة من تحقيقاتها"، إنها الوصفة السحرية للقضاء على المشاغبين السياسيين أو الحقوقيين أو من يتسمون بالمدافعين عن حقوق الإنسان في العالم العربي. خبر تصدر وسائل الإعلام الدولية، فالشرطة الدولية "الإنتربول" أصدرت مذكرة توقيف حمراء بحق مؤسس موقع "ويكيليكس" جوليان أسانج للاشتباه في تورطه في جرائم اغتصاب واعتداء جنسي على سيدتين سويديتين. معارضة سياسية واتهامات جنائية هي معادلة عربية بامتياز تستنسخها الديكتاتوريات حول العالم للقضاء على خصومها السياسيين، فبعد أن ولَّى إلى حد ما عصر الاغتيالات السياسية والتصفية الجسدية للمعارضين السياسيين في الداخل والخارج تطورت أساليب القمع السياسي، وبدلًا من إراقة الدماء أصبح القانون سلاحاً نظيفاً في القضاء على المعارضين السياسيين، فقانون العقوبات يفصل الجنح والجنايات، ورجال القانون ينفذون ما جاء في كتب القانون، فيتم توزيع التهم وفقاً لوزن المعارض، فهذا يتهم بجنحة وذاك من نصيبه جناية، وتكتمل عناصر القضية، ضحايا، أدلة، وشهود، وتوجه الاتهامات ويطبق سيف القانون، وتتولى عدالة المحكمة بقية إجراءات المسرحية، جلسات، وادعاء، محامٍ، وشهود، ولكن النتيجة محسومة منذ البداية، تلطيخ سمعة المعارض السياسي وسنوات في الحبس، فكما قال الشاعر أحمد مطر "من يملك القانون في أوطاننا، هو الذي يملك حق عزفه". أن تنتقل أخبار المعارضة السياسية من صفحة المحليات السياسية إلى صفحة أخبار الحوادث والقضايا ليست مستغربة على الإطلاق في الدول العربية، لكن أن تستنسخ الدول الديمقراطية الممارسات القمعية العربية في محاربتها لحرية الرأي وحرية الوصول للمعلومات، فهي لاشك قفزة عظمى إلى الخلف. كان من الممكن أن توجه تهم بالتجسس أو تسريب معلومات عسكرية أو أية اتهامات مخترعة أو حقيقية يصوغها المستشارون القانونيون، وستكون في حينها مقبولة، إلا أن توجيه اتهامات جنائية تنحصر في الاغتصاب الجنسي والتحرش وتصدر مذكرة اعتقال دولية بسبب تهمة اغتصاب وتحرش، فتلك ممارسات عربية بامتياز نسجل براءة اختراعها واستنساخها دوليّاً. في الحقيقة تواجه الولايات المتحدة معضلة قانونية في حال أرادت الحكومة الأميركية مقاضاة جوليان أسانج مؤسس موقع "ويكيليكس"، فقد صرح وزير العدل الأميركي قائلاً "هناك تحقيق جنائي نشط ومستمر نجريه بالتعاون مع وزارة الدفاع" مضيفاً بـ"أنه إذا كانت هناك ثغرات في القانون الأميركي بشأن كشف المعلومات السرية فإن إدارة أوباما ستعمل مع الكونجرس على سد هذه الثغرات". وحسب قانونيين أميركيين فإنه تصعب مقاضاة أسانج أو من يثبت تورطه في تسريب هذه الوثائق، فالقانون الأميركي يحظر على أي شخص نشر أي معلومات سرية يمكن أن تلحق الضرر بالأمن القومي الأميركي، ولكن المعضلة القانونية هنا في قضية تسريبات "ويكليكيس" هي في كيفية إثبات أن تسريب الوثائق قد أضر بالولايات المتحدة. أما إذا ما تمكنت الحكومة الأميركية من مقاضاة أسانج لنشره معلومات سرية، فإن ذلك سيتعارض مع أحكام المحكمة العليا التي تقر بحماية الحريات الشخصية وحرية الصحافة. وإضافة إلى ذلك فإن إخضاع أسانج للتحقيق أو طلب تسلميه للولايات المتحدة غير ممكن قانونيّاً حيث إن اتفاقات تسليم المجرمين لا تأخذ في الاعتبار الجرائم السياسية خاصة في الدول الغربية. لقد توالت وعبر الأسابيع الماضية الإدانات الدولية للتسريبات التي تكشف تصريحات غير معلنة وتصريحات غير دبلوماسية إطلاقاً ولا زال الترقب يخيم على العواصم الدولية. فيما لا يزال أسانج مطلوباً بتهمة الاغتصاب والتحرش الجنسي!