في الوقت الراهن يُنحي الجميع باللائمة على المعلمين السيئين، ويعتبرونهم مسؤولين عن تردي التعليم في الولايات المتحدة ويطالبون باستبدالهم. وفي رأيي أن التخلص من التفاحات الفاسدة لن يؤدي كما يتوقع كثيرون إلى حل المشكلات التعليمية؛ علاوة على أن من يطالبون باستبدال هؤلاء المعلمين، ويتخيلون أن لدينا معيناً لا ينضب من المعلمين المتميزين الجاهزين للحلول محل زملائهم لا يدركون الأبعاد المختلفة والعميقة للمشكلة. وأملنا في تحسين حالة التعليم بكافة قطاعاته، وجميع مستوياته، يتطلب منا، أولاً وقبل كل شيء، تعزيز البرامج التي تستخدم في تطوير وإعداد الغالبية العظمى من المعلمين في الولايات المتحدة. لسوء الحظ أن معظم هذه البرامج في حالة يرثى لها في الوقت الراهن. فشروط الالتحاق بها ميسرة أكثر مما يجب، كما أن معايير التخرج منها متدنية أكثر مما ينبغي، كما أنها تفتقر إلى العمق الأكاديمي، ويتعلم فيها المعلمون أشياء نظرية في معظمها لا علاقة لها بما سيواجهونه في الفصول الدراسية في حين يتم إغفال البرامج التطبيقية أي قيام المعلمين المتخرجين بتطبيق الذي تعلموه من خلال برامج تدريبية تتضمن قيامهم بالذهاب إلى المدارس وممارسة التدريس للطلاب في حصص معينة لتعويدهم على البيئة التي سيعملون بها عندما يتخرجون من تلك المدارس. صحيح أن هناك برامج متميزة وإبداعية، لكنها لا تمثل سوى أقلية ضئيلة. ومحصلة هذا كله أن المعلمين الجدد يدخلون إلى فصولهم للمرة الأولى، دون أن يكون لديهم سوى فكرة محدودة عن الطريقة التي سيتعاملون بها في الفصول المكتظة بالطلاب. وعدم استعداد المعلمين لأداء المهمة المنوطة بهم أمر قلما يتم ملاحظته ـ ناهيك عن قياسه. فهناك عدد محدود من البرامج فقط يحرص على قياس أداء الخريجين منها بعد التحاقهم بالوظيفة وذلك من خلال الاستفسار عن ذلك الأداء من مديري المدارس. كما أن معظم المدارس في المناطق التعليمية المختلفة ليس لديها برامج لقياس أداء الخريجين من البرامج المختلفة العاملة في مجال إعداد المعلمين، أولقياس أداء تلك البرامج ككل والمفاضلة بينهم. أما وكالات الاعتماد والتصديق التي تقرر مدى صلاحية كل برنامج وملاءمته للعملية التعليمية فتركز في غالبية الأحيان على أمور هامشية، مثل تصميم البرنامج والمواد المستخدمة فيها بدلاً من التركيز على المحصلة النهائية للبرنامج. وعلى الرغم من أن الولايات المختلفة منوط بها مهمة التعرف على البرامج ذات الأداء الضعيف وتحديد كيفية التعامل معها، إلا أن الإدارات التعليمية في معظم تلك الولايات تقصر في أداء هذه المهمة. ليس مطلوباً من الحكومة بالطبع أن تقرر ما الذي يتم تدريسه، ولا الكيفية التي يتم بها ذلك، ولكنها بالتأكيد مطالبة بتعزيز دعمها للمدارس التعليمية، مع مطالبة تلك المدارس بالالتزام بالجدية الكاملة في قياس مستوى استعداد المعلمين العاملين لديها، كشرط لاستمرار هذا الدعم. وحتى تتمكن من أداء ذلك على النحو المأمول، فإن الإدارات التعليمية في الولايات المختلفة تطالب المدارس بمتابعة أداء المعلمين الجدد، وتقديم معلومات عنهم لتلك المناطق وخصوصا فيما يتعلق باستمرارهم في الوظيفة أو تركهم لها: مع أخذ رأي مديري المدارس حول مستوى أداء المعلمين في الفصول، وحول مستوى إعدادهم عند التحاقهم بمدارسهم للمرة الأولى، مع القيام في ذات الوقت بقياس ما إذا كان أداء المعلمين له تأثير ملموس على تحسين المستوى العام للطلاب الذين يقومون بتدريسهم، أم لا. هل يبدو هذا من الأمور المستحيلة؟ لا أعتقد ذلك. فولاية "لويزيانا" على سبيل المثال، قامت بتطوير نظام بيانات محكم يمكنها من تقييم أداء المعلمين المتخرجين من برامج الإعداد التعليمي المختلفة، ويمكنها كذلك من مطالبة المعلمين أنفسهم بتقييم مدى استفادتهم من برامج الإعداد تلك خلال السنة الأولى من التحاقهم بالمدارس. وفي ولاية كاليفورنيا، يقوم النظام التعليمي من تلقاء نفسه بمسح برامج الخريجين لقياس مستوى كفاءتهم واستعدادهم سواء عند التخرج من معاهد الإعداد، أو في نهاية السنة الأولى من التحاقهم بالمدارس المختلفة. كما يقوم النظام الجامعي في الولاية بإجراء مسح لمديري المدارس ومراقبي أداء الخريجين الجدد، كما يتعاون مع عدد من المناطق الكبرى لتحديد مستوى المعلمين المتخرجين من البرامج المختلفة والمفاضلة بينهم لتحديد أي البرامج كانت أكثر كفاءة في أداء المهمة المنوطة بها في تخريج معلمين متميزين. وبناء على هذه المعلومات، يمكن للولايات المختلفة أن تحدد البرامج التي ستستمر في تقديم الدعم المالي لها، وتلك التي ستمنع عنها هذا الدعم، أو تلك التي سيتم إغلاقها بواسطة الجهات التعليمية المختصة في الولايات المختلفة نتيجة عدم فعاليتها وقصورها في أداء دورها. ولكن وكما هو الحال بالنسبة للمعلمين، فإن التخلص من برامج إعداد المدرسين السيئة، ليس له تلك الأهمية التي يحظى بها أمر المحافظة على البرامج التي تؤدي الدور المنوط بها بكفاءة، والتي تتمتع بالقدرة على الاستمرار في أداء هذا الدور من خلال فرض شروط أكثر صرامة للالتحاق بها، وشروط أكثر صرامة من هذه للتخرج. ونظراً لمستوى البطالة المرتفع في أميركا في الوقت الراهن، فإنه سيكون من الميسور بالنسبة للولايات أن تحصل على الأعداد التي تحتاجها من المعلمين الجدد. ولكن عندما يبدأ جيل الآباء الذي يقوم بالتدريس في الوقت الراهن خلال عدد محدود من السنوات، فإن الحاجة سوف تستدعي الحصول على المزيد من هؤلاء المعلمين وهو الأمر الذي سيكون أكثر صعوبة ربما. من أجل مستقبل أبنائنا فإننا بحاجة إلى معلمين جاهزين لأداء مهمتهم منذ اليوم الأول لالتحاقهم بالعمل. ------- كاميل إيش مدير برنامج التعليم في ولاية كاليفورنيا التابع لـ"نيو أميركا فاونديشن" ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم.سي.تي. إنترناشيونال"