تمثل قضية الأمن الغذائي واحدة من القضايا الاستراتيجية للأمن القومي العربي، لاسيما أن البلاد العربية تصنف ضمن أوائل المجموعات الدولية في اعتمادها على استيراد الحبوب وباقي السلع الغذائية. لذلك يتساءل الكتاب الذي نعرضه هنا، وعنوانه "الزراعة العربية وتحديات الأمن الغذائي... حالة الجزائر"، لمؤلفته الدكتورة فوزية غربي، عن حقيقة الأمن الغذائي في الوطن العربي، من خلال تشخيصه الحالة الجزائرية، سعياً للإجابة على السؤال: هل الزراعة العربية قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي وضمان الأمن الغذائي للبلدان العربية؟ وقد توزعت عناصر الإجابة عبر 365 صفحة تخللتها سبعة فصول ومقدمة وخاتمة، حيث يتطرق الكتاب في فصليه الأول والثاني إلى أهمية الزراعة في تحقيق التنمية، بينما يعالج، في الفصل الثالث وما بعده، السياسات الزراعية العربية، مستعرضاً نماذج السياسات الزراعية في مجالات الأمن الغذائي، وزيادة الإنتاج، وبناء المخزون والرقابة. ويتوقف الكتاب مطولاً عند السياسات الزراعية في الجزائر قبل مرحلة التحول نحو اقتصاد السوق، حيث تميزت بتجربتي التسيير الذاتي والثورة الزراعية. أما مرحلة الثمانينيات فتميزت سياساتها بنوع من التردد وعدم اليقين، بينما حظيت الزراعة باهتمام متزايد منذ منتصف التسعينيات، وفُتحت أبواب الاستثمار الزراعي أمام القطاع الخاص. وحول "واقع الإنتاج الزراعي في الجزائر"، تؤكد المؤلفة على المكانة المهمة التي يحتلها الإنتاج النباتي في مجمل الزراعة الجزائرية. لكن نظراً لعدم كفاية الكميات المنتجة محلياً من الحبوب والبقول الجافة، وهي أكثر المحاصيل النباتية أهمية غذائية للسكان، فإن الدولة الجزائرية تضطر لاستيراد كميات كبيرة منها لسد الفجوة الغذائية، وبخاصة في مادة القمح. هذا بعد أن كانت الجزائر حتى بداية الاستقلال، دولة مصدرة لبعض المحاصيل الاقتصادية، كالقمح مثلاً، لكنها تحولت من مصدّر إلى مستورد. ومن استعراضها لمنحنى الإنتاج النباتي، توضح المؤلفة أنه رغم التحسن المسجل في هذا القطاع، فإنه لم يعرف نمواً مستقراً، وإنما سجلاً متصلاً من التذبذبات. أما الإنتاج الحيواني فتأرجح هو أيضاً بين الارتفاع والانخفاض، غير أن إمكانية تجاوز النقص المسجل في إنتاج اللحوم الحمراء والأسماك -تقول المؤلفة- تبقى متاحة باعتبار الإمكانات المتوفرة والظروف المواتية. وعامة فإنه من خلال استعراضها أرقام وإحصائيات الإنتاج الزراعي، تلاحظ المؤلفة ذلك العجز الكبير المسجل بالنسبة لجميع المنتجات، باستثناء مجموعة الخضر والفواكه، وهو عجز يستفحل بوتيرة مضطردة من عام لآخر، تبعاً للزيادة السكانية، حيث سجلت الجزائر تبعية في مجال الحبوب خلال الأعوام 2003 و2004 و2005 و2006 و2007 على التوالي المعدلات التالية: 62 في المئة، و53 في المئة، و70 في المئة، و65 في المئة، و67 في المئة. وقد تواصل ذلك العجز، رغم المحاولات المبذولة في إطار السياسات الزراعية المتبعة، وبخاصة منذ عام 2001 مع انطلاق المخطط الوطني للتنمية الفلاحية. وهنا تظل الظروف المناخية السبب الذي يتحجج به الجميع إزاء والفجوات المسجلة. ويحاول الكتاب تشخيص مشاكل ومعوقات الزراعة في الجزائر، مُبيناً أن بعضها يتعلق بالموارد الأرضية والطبيعية، كالمياه والحيازات، وبعضها تكنولوجي يتعلق بمستلزمات الإنتاج كالبذور والأسمدة والماكينات، علاوة على مشاكل تتعلق بالموارد البشرية والمادية والتنظيمية، ومشاكل ومعوقات أخرى مرتبطة بالتطورات السياسية والاقتصادية. ومهما يكن فإن القطاع الزراعي الجزائري، كنظيره في أغلب البلاد العربية، يعيش الكثير من المشكلات، الطبيعية والتنظيمية، مما يؤدي إلى كلفة إنتاج عالية، ومستوى إنتاجية متدن، ويترك أثره المباشر على الأمن الغذائي العربي. وتختتم المؤلفة كتابها ببعض الاقتراحات الرامية إلى تحقيق حد مقبول من الأمن الغذائي، من منطلق أن أغلب مشكلات القطاع الزراعي هي نتيجة منطقية لعملية التنمية في بلاد نامية تفتقد مبدأي العقلانية والرشد. ومن تلك المقترحات وضع سياسات زراعية واضحة، والمحافظة على المساحات الزراعية، وتوفير المدخلات الزراعية المحسنة، وتطوير البنية التحتية الزراعية، وتوفير الخبرة والأيدي المدربة، وتشجيع الاستخدام الواسع للتكنولوجيا، وخلق تكامل زراعي وصناعي، وتعزيز الاستفادة من البحوث الزراعية، وزيادة الاستثمارات الزراعية. وأخيراً تؤكد المؤلفة إمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي على المدى المتوسط إذا ما تضافرت جهود البلدان العربية في إطار التكامل الاقتصادي العربي. محمد ولد المنى ------- الكتاب: الزراعة العربية وتحديات الأمن الغذائي... حالة الجزائر المؤلفة: د. فوزية غربي الناشر: 2010 تاريخ النشر: 2010