رغم الانتقادات الواسعة التي تعرضت لها الاتفاقية التي توصلت إليها قمة كوبنهاجن المنعقدة العام الماضي حول التغير المناخي، فقد اتضح أنها أوصلت المناقشات بشأن هذه المشكلة إلى مستوى جيد، خاصةً وأن المتفاوضين اجتمعوا مجدداً يوم الاثنين الماضي في كانكون المكسيكية، لاستئناف محادثاتهم عن التغير المناخي، وفقاً لما نشر في تقرير رعته الأمم المتحدة. ويذكر أن 140 دولة وقعت على اتفاقية كوبنهاجن للتغير المناخي حتى الآن، غير أنها لا تزال غير ملزمة قانونياً. وينظر التقرير الأممي المذكور فيما يمكن أن يحدث في حال التزام الدول الموقعة على اتفاقية كوبنهاجن بحد متواضع من التعهدات، أو في حال الوفاء التام بتلك التعهدات. وفي الحالة الثانية التي تمثل أفضل السيناريوهات الممكنة، يمكن لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري أن تنخفض بمعدل 7 مليارات طن بحلول عام 2020، مقارنة بمعدل انخفاضها المعتاد دون تحقيق أي من الالتزامات التي قطعتها الدول على نفسها. وعلى حد معدي التقرير المذكور، فإن انخفاض الغازات المذكورة بمعدل 7 مليارات طن حتى عام 2020 لا يمثل سوى نسبة 60 في المئة فحسب من المعدل المثالي المقبول عالمياً لانخفاض الانبعاث بنهاية القرن الحالي، غير أنه يمثل خطوة مناسبة للبدء بها على الأقل. وحسب تقديرات واضعي التقرير الأممي المذكور، فإن بالإمكان سد هذا الفارق في نسب انخفاض انبعاث الغازات السامة المسببة للاحتباس الحراري بواسطة توظيف التكنولوجيا المتوفرة حالياً، شريطة توظيفها على نحو أكثر فاعلية مما تصورته قمة كوبنهاجن. ومن رأي إيمي فرانكيل -مدير المكتب الإقليمي لقارة أميركا الشمالية لبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة- فإن بالإمكان تحقيق هدف الإبقاء على التغير المناخي في مستوى مسيطر عليه، غير أن فرص العمل المنخفض التكلفة في هذا المجال تضيق سنوياً مع كل تباطؤ أو تأجيل لما يجب القيام به. ومنذ محادثات قمة كوبنهاجن استقر رأي الكثير من الدول على تحقيق هدف الإبقاء على معدل التغير المناخي في حدود ارتفاع لا يزيد على درجتين مئويتين -ما يعادل 3.6 درجات فهرنهايت- بحلول عام 2100. غير أن بعض الدول النامية طالبت بأهمية خفض درجات حرارة الأرض إلى نحو 1.5 درجة مئوية، وهو مطلب وصفه التقرير الأممي المذكور بعدم الواقعية. ولكي يتحقق الهدف الدولي الداعي إلى خفض درجات حرارة الأرض إلى درجتين مئويتين، فإن ذلك يتطلب خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بمعدل 44 مليار طن سنوياً بحلول عام 2020. وفيما لو استمرت الدول فيما هي عليه -وفقاً لسيناريو السلوك العادي، أي ألا تفعل الدول شيئاً لخفض هذه الانبعاثات- فإن المتوقع أن تضخ الاقتصادات العالمية نحو 56 مليار طن سنوياً بحلول عام 2020. لكن وفيما لو وفت الدول بالحد الأدنى من الالتزامات التي قطعتها على نفسها في قمة كوبنهاجن الأخيرة، فسوف تنخفض انبعاثات الغازات السامة عالمياً إلى 53 مليار طن سنوياً بحلول عام 2020. أما في حال التزام الدول بتنفيذ الحد الأعلى من تعهداتها في كوبنهاجن، فسوف تنخفض الانبعاثات إلى 49 مليار طن سنوياً بحلول عام 2020. ويجب القول إنه وحتى في حال الوفاء التام بجميع التزامات قمة كوبنهاجن في عام 2020 فإن ذلك لن يغير احتمال ارتفاع درجات حرارة الأرض بمعدل يتراوح بين 2.5 و5 درجات مئوية بحلول عام 2100 وفقاً للتقرير. وفوق ذلك فإن حسابات ما يمكن أن يؤدي إليه الالتزام بالحد الأقصى من تعهدات قمة كوبنهاجن تعتمد على سلوك وممارسات ربما لا تتحقق مطلقاً. فمثلاً يواصل الكونجرس الأميركي عرقلة المصادقة على أي تشريع شامل لفرض سقف محدد لانبعاث الغازات السامة وتجارتها. ومن التحديات الكبيرة أيضاً أنه وحتى في حال التزام الدول بتحقيق هدف عام 2020، والمتمثل في خفض الانبعاثات إلى معدل 44 مليار طن سنوياً، فإنه يلزم المزيد من الخفض لانبعاث الغازات السامة بعد عام 2050، لضمان تحقيق هدف زيادة الدرجتين المئويتين حسب التقرير الأممي. ويعد هذا التقرير أول محاولة من نوعها لتحليل النتائج المتعددة والمتباينة لسيناريوهات قمة كوبنهاجن من ناحية تأثيرها على خفض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وعلى حد قول الآنسة فرانكيل -مدير المكتب الإقليمي لبرنامج البيئة السابق ذكرها- فهناك رسائل متعددة تبعث بها مثل هذه التقارير، ضمنها التحليلات المتشائمة جداً بما يمكن تحقيقه من مثل هذه المؤتمرات الدولية التي تعقد عن التغير المناخي، ونقيضتها المتفائلة جداً بما يمكن أن تسفر عنه تلك المؤتمرات. وهكذا تتباين التفسيرات حسب رأيها. ويجدر بالذكر أن التقرير الأممي قد أعد برعاية برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة، بمشاركة 30 عالماً متخصصاً يعملون في 25 مؤسسة بحث علمي في دول عديدة بينها الولايات المتحدة واليابان والصين والمكسيك. ومن رأي كيلي كيفن -أحد المشاركين في إعداد التقرير، واختصاصي خفض انبعاثات الغازات السامة بالدول النامية بمعهد الموارد الدولية بواشنطن- أن التحدي الرئيسي الذي يواجه المتفاوضين في قمم المناخ تالياً، هو تحويل أقصى ما يمكن من تعهدات كوبنهاجن إلى التزامات رسمية ملزمة قانونياً. ------ بيتر إن. سبوتس كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"