في أخبار هذا الأسبوع أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أعدت حملة علاقات عامة واسعة في أوروبا لتحسين سمعة إسرائيل، وأنها أعلمت عدداً من سفاراتها بمضاعفة ميزانية العلاقات العامة، وأصدرت تعليماتها لكل سفارة بإعداد لائحة سريعة تضم ألف شخص على الأقل في كل عاصمة من أبناء الجاليات اليهودية والمسيحيين الموالين لإسرائيل والصحافيين والباحثين ورجال السياسة، تتصل بهم البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية لإبلاغهم بآخر التطورات السياسية، وللتعويل على مساعدتهم الطوعية للدفاع عن إسرائيل. كما تعتزم الوزارة، ولأول مرة، استعمال شركات العلاقات العامة وعناصر مجموعات الضغط، لمواجهة التدهور المتسارع لصورة إسرائيل خلال السنوات الأخيرة، وبالذات إثر الهجوم على قطاع غزة في نهاية 2008، والهجوم على أسطول الحرية التركي وهو في طريقه إلى القطاع في مايو الماضي، وتداعيات استمرار "الاستيطان" الإسرائيلي. الحال الإسرائيلي اليوم هو على النقيض من مقولة "ما أشبه الليلة بالبارحة"! ففي "البارحة"، جرى تصوير "إسرائيل" في معظم الغرب، منذ احتلال فلسطين عام 1948 وحتى وقت قريب، على أنها دولة "صغيرة" تبحث عن "الأمن"، وأنها "واحة للتنوير" في المنطقة، و"الديمقراطية الوحيدة" في غابة "القمع والبربرية" العربية، والوحيدة التي تقوم على أسس تداول السلطة، ومنح مساحة "كاملة" لحرية التعبير! أما اليوم فقد تغير المشهد كلياً وطفت على السطح سياسة الفصل العنصري (الآبارتايد) الاحتلالية والإحلالية الإسرائيلية، وأدرك العالم زيف وبطلان الادعاءات السابقة، عبر الاستهداف الإسرائيلي الدموي والتدميري للأرض وللحجر وللشجر وللإنسان الفلسطيني. كما تبين للعالم معنى "الأمن المطلق" الذي تريده الدولة الإسرائيلية، والمستند إلى مقولة أن صراعها مع العرب هو صراع وجود وبقاء، وأن العربي (الفلسطيني) الجيد هو الميت، مع مطالبة الفلسطينيين والعرب (الضحية) بتقديم ضمانات أمنية للجلاد الإسرائيلي! لقد بدأ التحرك الإسرائيلي في إطار العلاقات العامة بعد فشل الضغوط الإسرائيلية على الدول الأوروبية، خاصة تلك التي كانت إسرائيل تلجأ إليها سابقاً، وبعد ازدياد فعالية الحملة العالمية الداعية إلى "مقاطعة إسرائيل"، و"سحب الاستثمارات" منها، وفرض العقوبات والحظر عليها. هذا عدا عن سياسة إدارة الظهر من قبل سياسيين ومسؤولين في عدد متنام من الدول تجاه مختلف الاتهامات الإسرائيلية المعلّبة والجاهزة. ومن الأمثلة الأحدث على ذلك، تجاهل النرويج اتهام إسرائيل لها بتشجيعها "التحريض السافر" ضد الدولة الصهيونية، وتمويل النرويج فعاليات تربوية "هدفها شيطنة إسرائيل"، وذلك بعد تمويل بلدية مدينة نرويجية سفر طلاب نرويجيين إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك للمشاركة في عروض مسرحية تتناول "معاناة أطفال غزة جراء الاحتلال الإسرائيلي"، إضافة إلى إقامة معرض مناهض لإسرائيل لفنان نرويجي أُرسل إلى دمشق وعمان وبيروت بتمويل السفارة النرويجية في هذه العواصم ويشمل رسومات لأطفال فلسطينيين قتلى وإلى جانبهم جنود الجيش الإسرائيلي يضعون على رؤوسهم خوذاً شبيهة بتلك التي استخدمها الجنود النازيون، فيما العلم الإسرائيلي ملطخ بالدماء. بل إن الخارجية الإسرائيلية قالت في تصريح على لسان مصدر رفض الإفصاح عن نفسه: "إن السلطات النرويجية هي التي تسمح بـ"شيطنة إسرائيل"، وأنه منذ الحرب على غزة أصبحت النرويج دولة عظمى في تصدير مواد إعلامية تخدم حملة نزع الشرعية عن إسرائيل في العالم"! هذا رغم كتابات إسرائيلية متزايدة عن أن سبب ما "تعانيه" إسرائيل على صعيد "نزع الشرعية" عنها إنما هو ناجم عن سياساتها الاحتلالية والعنصرية. وهكذا، فإن الهدف من إجراءات الخارجية الإسرائيلية يتلخص في محاولة "إسرائيل" مواجهة حملة "نزع الشرعية" عنها وإلغاء "استثنائيتها" التي سادت سنين طويلة. ومؤخراً، حذّر "معهد ريئوت" الإسرائيلي، في تقرير أحدث ضجة واسعة في إسرائيل، من ازدياد الحملات المناهضة لسياسات إسرائيل وتعاظم ما يوجه إليها من انتقادات في مناطق مختلفة من العالم. ويقول المعهد إن "إسرائيل تواجه حملة دولية تستهدف نزع الشرعية عنها"، مطالباً الحكومة الصهيونية بالتعامل مع القضية على أنها "تهديد استراتيجي". ويشير التقرير إلى المظاهرات المناوئة لإسرائيل في الجامعات، والاحتجاجات عند مشاركة الرياضيين الإسرائيليين في منافسات بالخارج، والتحركات الأوروبية لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، والمساعي المتكاثرة لإصدار أوامر اعتقال بحق قادة إسرائيليين يزورون بريطانيا أو إسبانيا وغيرهما. إن سياسة إسرائيل الاحتلالية التوسعية والعنصرية هي "صاحبة الفضل" في توسيع مجال نضال حركات التضامن مع الفلسطينيين بعد انكشاف حقيقة إسرائيل. وقد نشأ عن كل ذلك تزايد ظاهرة انتقاد ومقاطعة إسرائيل في أوروبا والولايات المتحدة (مقاطعة اقتصادية وأكاديمية وثقافية وفنية وغير ذلك) فنزعت منها احتكار صورة الضحية، بل إن إسرائيل نفسها اعتبرت ذلك التطور بمثابة تهديد استراتيجي. فرئيس وزرائها خصص جزءاً رئيسياً من زيارته الأخيرة للولايات المتحدة للبحث مع مسؤوليها فيما وصفه بحملة نزع الشرعية عن إسرائيل، معتبراً إياها التهديد الثاني، بعد التهديد الإيراني. وقال "إن نزع الشرعية عن إسرائيل بات ظاهرة مقلقة، لأنّه بالنسبة لكثيرين باتت إسرائيل مدانة حتى تثبت براءتها". كما قال وزير حربيته: "إسرائيل تقف على مفترق طرق خطير للغاية في هذه الأوقات، في ضوء تزايد محاولات نزع الشرعية باستمرار، التي أصبحت تشكل خطراً كبيراً علينا، يهدد مستقبلنا تماماً مثل خطر حماس وحزب الله"، داعياً إلى "مواجهة محاولات نزع الشرعية عن إسرائيل في المحافل الدولية". أما رئيس "الموساد" السابق (شفتاي شافيط) فاتهم أوباما والأسرة الدولية بالمساعدة على "نزع الشرعية" عن إسرائيل، فيما حذر نائب وزير الخارجية الإسرائيلي (داني أيالون) من "حملة عنيفة" تواجهها تل آبيب في محاولة لـ"نزع الشرعية عنها"، مؤكداً أن تل آبيب تعمل بكافّة وسائلها لـ"إجهاض هذه المحاولات". وختاماً، يبدو قرار "الخارجية الإسرائيلية" بتفعيل حملة للعلاقات العامة لتحسين صورة إسرائيل نوعاً من الصدى لمقولة "ناتان شارانسكي"، رئيس الوكالة اليهودية: "تواجه إسرائيل حملة عالمية ترمي إلى نزع الشرعية عنها. إنها حرب حقيقية تهدد مصالحنا الاستراتيجية، وينبغي الرد على كل ضربة بضربة"!