نشرت إحدى الصحف المحلية رسماً كاريكاتورياً بريشة رسام معروف يظهر فيه رجل عربي واقف إلى جانب الزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ إيل وهو ينظر إليه بإعجاب مقدماً له شارباً كثيفاً مدوناً عليه عبارة "الشنب العربي". والمعنى هو أن العرب لا يستحقون شواربهم، باعتبار الشارب الكثيف أو العثماني هو رمز الرجولة عند العرب، ويستحقها بدلاً عنهم كيم يونغ إيل. ويبدو أن الرسام بدأ يرسم لوحته في الوقت الذي كان فيه الدخان لا يزال يتصاعد من الحطام الذي خلفه القصف المدفعي الكوري الشمالي لجزيرة صيادين ومزارعين تابعة لجارتها الجنوبية، وكانت دموع ذوي الضحايا من الكوريين الجنوبيين لا تزال ساخنة. والرسام في الحقيقة لا يمثل نفسه في هذه النظرة الصبيانية للأمور، فالعقلية العربية للأسف تفكّر بالمقلوب، فتمجّد الدمار والاعتداء خصوصاً إذا كان هذا الطرف معادياً للولايات المتحدة الأميركية. ومهما كان الثمن الذي يدفعه الشعب، وفي الوقت نفسه تعتبر الدعوة إلى اليد الممدودة للسلام وضبط النفس والتفكير في العواقب من شيم الجبناء، فلو كانت سيئول قد ردّت بقصف مضاد لبيونج يانج لربما تقاسمت العاصمتان الشارب العربي. لكن الذي لا يفهمه بعض العرب أن كوريا الجنوبية لا تستطيع مجاراة جارتها في هذا التهوّر والطيش، فشتان بين جمهورية ديمقراطية تضع أمن وسلامة مواطنيها في الاعتبار الأول، وبين نظام شمولي يقرر الحرب بمزاجية شخص واحد لا يفكر إلا في صحة الزعيم المبجّل وابنه الشاب المحبوب وقرّة عين أبيه كيم يونغ أون. لو كان العرب غير جديرين بشواربهم بسبب هوانهم وضعفهم كما يصوّرهم الرسام والملايين من العرب الناقمين على أنظمتهم، فليست كوريا الشمالية بأي حال من الأحوال أولى بها منهم، ولا تستحق أن يُفتن بها العرب، فكل ما فعلته وتفعله سبق للعرب أن فعلوه، وبشكل أفضل. كوريا الشمالية تحذو حذو العرب في كل ما يُثير إعجاب العقلية العربية، من الانفراد بالسلطة وتأليه الزعماء، وتوريث الحكم في أنظمة جمهورية، وقمع الشعوب وإسكاتها، والانهماك في التسليح على حساب حاجات الناس الضرورية، وبيعهم شعارات الكرامة الوطنية وغسل أدمغتهم بالإيديولوجيات الميتة، واضطرارهم للهروب إلى الدول المجاورة، والمساومة على برنامجها النووي وبيعه، والاعتداء على الجيران بل واحتلال بلادهم كما فعل القائد الضرورة صدام حسين في الكويت. ويمكن ملاحظة الشبه بين "جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية" وبين بعض الدول العربية التي هي ليست جمهورية ولا ديمقراطية ولا شعبية، فبأي شيء يتفوق الكوريون الشماليون على العرب؟ إن كان لابد للعرب أن يتخلوا عن شواربهم فكوريا الجنوبية هي الجديرة بأخذها، فهي ذات نظام ديمقراطي يعتمد الحريات العامة وفصل السلطات واستقلال القضاء، وتعد القوة الصناعية الحادية عشرة في العالم، والقوة الثانية عشرة في الشراكة التجارية على مستوى العالم، ومن أكثر الدول استقطاباً لرؤوس الأموال الأجنبية، وتحتل المرتبة الثالثة عشرة عالمياً في الرسائل العلمية، والمرتبة السادسة في التنافسية التقنية. وبجملة واحدة: لو خيّر الرسام المعجب بالزعيم المبجّل بين العيش في إحدى الكوريتين والحصول على جنسيتها، فأيهما سيختار؟ أم أنه رسم والسلام؟