يُعد تحديث وتوضيح السلطة القانونية التي يمتلكها الجيش ووكالات الاستخبارات الأميركية بخصوص تدابير قتل واعتقال الإرهابيين الذين يهددون الولايات المتحدة من بين المواضيع العاجلة الكثيرة التي يجب على الكونجرس الجديد أن ينكب عليها لدى بدء دورته الجديدة في يناير المقبل. فخلال العقد الماضي، اعتمدت الوكالات التابعة للجهاز التنفيذي كثيراً على قانون صيغ بطريقة فضفاضة ومرره الكونجرس على عجل في الثامن عشر من سبتمبر 2001، بينما كان الدخان ما زال منبعثاً من أنقاض مركز التجارة العالمي؛ والحال أن قانون "الترخيص لاستعمال القوة العسكرية" لا يمنح جيشنا الأميركي وموظفي أجهزتنا الاستخبارية سلطة كافية للقيام بعمليات محاربة الإرهاب اليوم، مثلما أنه لا يوفر حماية كافية للأشخاص الذين يُستهدفون أو يُعتقلون، بمن فيهم مواطنو الولايات المتحدة. ويسمح هذا القانون للرئيس باستعمال "كل القوة الضرورية والمناسبة ضد الدول أو المنظمات أو الأشخاص الذين يقرر أنهم خططوا أو رخصوا أو ارتكبوا أو ساهموا" في هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وقد اعتمدت إدارتا بوش وأوباما على هذه السلطة لشن الحرب البرية في أفغانستان؛ وممارسة قوة مميتة (مثل الضربات التي تنفذها طائرات بدون طيار) ضد أعضاء "القاعدة" في باكستان واليمن والصومال؛ واعتقال أعضاء "القاعدة" و"طالبان" المشتبه فيهم في خليج جوانتانامو وأفغانستان. غير أنه بينما تواصل القوات الأميركية استهداف الزعماء الإرهابيين خارج أفغانستان، فإنه من غير الواضح على نحو متزايد ما إن كان هؤلاء الإرهابيون، حتى وإن كانوا يخططون لهجمات على أهداف أميركية، هم الأفراد أنفسهم الذين يقفون وراء هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وعلاوة على ذلك، فإنه لا يوجد قانون، بما في ذلك القانون الذي أشرنا إليه آنفاً، يحتوي على مقتضيات خاصة بقتل إرهابيين من مواطني الولايات المتحدة، يتمتعون ببعض الحقوق الدستورية على الأقل، مثل رجل الدين المتشدد المقيم في اليمن أنور العولقي، الذي يشكل استهدافُه المفترض موضوع دعوى قضائية رفعتها منظمات مدافعة عن الحريات المدنية. كما أن تشريع 2001 لا يشتمل على ترخيص صريح للاعتقال. فالمحاكم الفيدرالية (وحتى منظمات الحريات المدنية) تعترف بأن سلطة استعمال "كل القوة الضرورية والمناسبة" تشمل سلطة الاعتقال؛ غير أن القانون لا يحدد من يمكن اعتقاله، أو كم من الوقت، أو أي إجراءات يمكن استعمالها في هذا الشأن. وبدلاً من ذلك، فقد ترك الكونجرس والجهازُ التنفيذي لمجموعة صغيرة من القضاة الفيدراليين المنهَكين مسؤولية تشريع التفاصيل بشكل تدريجي في سياق الطلبات الفردية الخاصة بالنظر في شرعية حبس الأفراد. وقد فاقمت إدارة أوباما العيوب القانونية لهذا القانون عبر التشديد على أنها، وخلافاً لإدارة بوش، تعتمد فقط على منحها هذه السلطة من طرف الكونجرس، وليس على أي صلاحيات دستورية للرئيس. ونظراً لإفراط إدارة بوش في تأكيد وفرض السلطة التنفيذية، فإن اعتماد إدارة أوباما على التشريع لوحده أمر يمكن تفهمه سياسيّاً؛ ولكنه خطير قانونيّاً، ذلك أنه إذا أراد جيشنا أو وكالاتنا الاستخبارية استهداف أو اعتقال إرهابي لا ينتمي إلى "القاعدة"، فإنها ستكون مفتقدة للسلطة القانونية للقيام بذلك، اللهم إلا إذا وسَّعت الإدارة تبريرها القانوني (وأيدته المحاكم الفيدرالية). والواقع أن المحامين داخل وخارج إدارتي بوش وأوباما يعترفون منذ خمس سنوات على الأقل بالحاجة إلى استبدال هذا القانون بآخر أوضح منه. وإذا كانت إدارة بوش قد اختارت ألا تسعى وراء تحديث القانون لأنها لم تكن تريد العمل مع الفرع التشريعي، فإن أوباما أعلن العام الماضي نيته العمل مع الكونجرس من أجل سن قانون اعتقال جديد "يتماشى وقيمنا ودستورنا". ولكنه عدل عن مخططه تحت ضغط المنظمات المدافعة عن الحقوق المدنية التي تأمل في إنهاء الاعتقال خارج إطار قانون جزائي، وعدم شرعنته من خلال ترخيص أكثر تحديداً من قبل الكونجرس. بيد أن معارضة منظمات الحقوق المدنية لقانون اعتقال جديد تبدو غير واقعية وتنمُّ عن قصر نظر؛ ولاسيما أن إدارة أوباما أعلنت أنها تنوي الاحتفاظ بـ 50 إلى 100 من معتقلي جوانتانامو، إلى ما لا نهاية وربما بدون محاكمة إجرامية، وهو عدد يمكن أن يزداد بالنظر إلى أن هيئة محلفين فيدرالية في نيويورك قد برأت ساحة أحمد غيلاني هذا الشهر من 284 من أصل 285 تهمة كانت موجهة إليه. ولئن كان لدى كل معتقل الحق قانونيّاً في الطعن في الأسس القانونية لاعتقاله الدائم، عندما يقرر قاضٍ فيدرالي أن شخصاً ما قد اعتُقل على نحو قانوني في إطار قانون "الترخيص لاستعمال القوة العسكرية" (مثلما فعل قضاة في 19 قضية مختلفة)، فإن المعتقل قد لا يملك حقاً قانونيّاً آخر للطعن في اعتقاله لبقية حياته. إن لدى إدارة أوباما، وجمهوريي وديمقراطيي الكونجرس، ومنظمات الحريات المدنية جميعاً مصلحةً في تحديث هذا القانون المتقادم، بعد مرور قرابة 10 سنوات على هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ولكن ينبغي أن يرغب "الجمهوريون" في مساعدة الرئيس على تأمين توفر القادة العسكريين ووكالات الاستخبارات على رخصة قانونية كافية لقتل أو اعتقال الإرهابيين الذين يهددون الولايات المتحدة اليوم. ومن جانبها، تستطيع منظمات الحقوق المدنية، وداعموها "الديمقراطيون" في الكونجرس، التشديد على ضرورة أن يتلقى الإرهابيون المشتبه فيهم من مواطني الولايات المتحدة حمايةً إضافية قبل أن يتم استهدافهم، وأن يمتلك الأشخاص المعتقلون اليوم أو في المستقبل، تحت قوانين الحرب، مراجعة إدارية أو قانونية كافية. والواقع أن الكونجرس يستطيع وينبغي أن يمرر تشريعاً توافقيّاً يراعي كل بواعث القلق هذه. -------- جون بي. بلينجر الثالث مستشار قانوني سابق لوزارة الخارجية ولمجلس الأمن القومي الأميركي ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس"