لم ينظم احتفال المقاولين ومدراء الأعمال السنوي الذي أقيم الشهر الحالي في سان فرانسيسكو أو نيويورك، إنما أقيم في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة. ولم يكن المشاركون فيه من الأميركيين المعروفين في مجال الابتكار التكنولوجي عبر شبكة الإنترنت، إنما كانوا مجموعة متنوعة تمثل جيلاً جديداً من الشباب المبتكرين في إدارة تكنولوجيا الإنترنت من مختلف الدول الشرق أوسطية. ولم يكن أصحاب هذه الفكرة المبدعة من الصحافيين أو المستقبليين الغربيين المشهورين، إنما كان وراءها عارف نقفي، المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة "أبراج كابيتال" وهو باكستاني الأصل، وفادي غندور، الذي تمكن من بناء أكبر شركة للخدمات اللوجستية والنقل في المنطقة كلها. ولكن غابت عن هذه المناسبة الحوارات ذات الصلة بالدين والسياسة والمعوقات التاريخية للابتكار في المنطقة. وكان السؤال الوحيد الذي طغى على الاحتفال هو: لماذا لا نكون نحن أصحاب الابتكار الحقيقي في مجال إدارة الأعمال والاستثمارات التكنولوجية. ولمَ لا بالفعل كما تساءل والي ناصر في كتابه الجديد "قوى الثروة" الذي تناول فيه ظاهرة الصعود الاقتصادي الشرق أوسطي. وعلى حد قوله فإن الكثافة السكانية المسلمة الموزعة في مختلف أنحاء العالم، التي يزيد عددها على المليار مسلم، تعادل الكثافة السكانية لكل من الهند والصين. وفي عام 2008، كان إجمالي الناتج المحلي لاقتصادات خمس من كبريات الدول الشرق أوسطية -مصر وإيران وباكستان والمملكة العربية السعودية وتركيا، التي تقدر كثافتها السكانية بنحو 420 مليون نسمة- يعادل حوالي 3.3 تريليون دولار، وهو نفسه إجمالي الناتج المحلي للهند، التي تساوي كثافتها السكانية ثلاثة أضعاف تعداد سكان الدول الخمس المذكورة. ولكن السؤال: هل تهيأت هذه المنطقة بالفعل لإطلاق ما لديها من طاقات ابتكار وإبداع في إدارة الأعمال من ذلك النوع الذي ساهم في خلق الثروات والوظائف الجديدة في مختلف أنحاء العالم؟ هذه هي الإمكانية المحتملة التي كثيراً ما غابت حقيقتها عن الغرب، وهناك أسباب كثيرة تدعو إلى تجاهلها أو استبعادها لدى الغربيين. فالفجوة الفاصلة بين أثرياء المنطقة وفقرائها لا تزال كبيرة جداً، بينما تستمر تحديات رفع المستوى التعليمي ومحاربة الأمية بين الكثير من سكان دول المنطقة الشرق أوسطية. وفي مقابل توفر المواهب والشفافية والسرعة والسيولة النقدية، التي أذكت نيران الإبداع الإداري في مجال الاستثمار والعمل في الولايات المتحدة الأميركية وغيرها، نجد تفشي البطالة والاعتماد الرئيسي على دور القطاع الحكومي في التمويل. كما تسود المنطقة ثقافة مضادة لتجاوز الاستثمار لقيمة الأصول الثابتة. ويكفي أن يقوم المرء بجولة صغيرة في القاهرة أو العاصمة الأردنية عمان، يمر خلالها بالقيود الأمنية المشددة المفروضة على دخول المناطق السياحية والفنادق وغيرها، ليتلمس خلالها حقائق الواقع السياسي في المنطقة. ولكن حاول أن تحكي هذه الحقائق لذلك المبدع الكويتي الشاب، الذي تمكن من ابتكار تطبيقاته الخاصة بألعاب التسلية التي يمارسها عبر جهاز الهاتف النقال الذي يستخدمه، وفوجئ لدهشته بتحميل حوالي مليون مستخدم للهواتف النقالة للتطبيقات نفسها والبدء في استخدامها. ثم حاول تثبيط همة ذلك الإداري المبدع لإحدى المقاهي اليمنية، الذي لم يتجاوز عمره التسعة عشر عاماً فحسب. فهو يؤكد أن جميع العمليات التي تديرها مقهاه -بما فيها عمليات التغليف التي عادة ما تستخدم فيها المنتجات الصينية المستوردة- تتم اعتماداً على منتجات مجتمعه المحلي. وتطول القائمة لتشمل عدداً من مصممي الرسومات التوضيحية الإلكترونية المتحركة في دمشق. فهؤلاء ينجزون أعمالاً تبدو معها الصور الثلاثية الأبعاد وكأنها تنتمي إلى العصور الوسطى. كما تمكن مقاول أعمال مصري من تطوير نوع جديد من تكنولوجيا الاستحمام، تمكن المستخدمين من استهلاك كميات أقل من المياه لغسل أجسامهم بمستوى الجودة والنظافة المطلوبتين، في ذات الوقت الذي يوفرون فيه كميات من المياه في منطقة تعرف بجفافها ونقص مواردها المائية. أما في الأردن، فتعتبر Osais500 حاضنة إلكترونية تسعى إلى مساعدة مئات المبتدئين، سواء كانوا أفراداً أم شركات تسلط اهتمامها وأنشطتها على التكنولوجيا الحديثة وعمليات التوزيع لأولئك الذين يقومون بتعريب خدمات الهواتف النقالة وتطبيقاتها التفاعلية التي حققت نجاحاً في اللغة الإنجليزية. وربما كان أفضل مقاول أو مدير أعمال أتحدث عنه هنا، هي شابة عمرها 18 عاماً، وهي من بين عشرات الفتيات المحتشمات اللائي غطت أجسامهن الثياب الكاملة من الرأس وحتى أخمص القدمين، من الحاضرات لمناسبة الاحتفال السنوي بإدارة الأعمال والابتكار التي أقامتها دبي خلال الشهر الحالي. فقد صممت هذه الشابة الصغيرة حاملاً جميلاً فخماً ومزوداً بالبطاريات للهواتف المحمولة وغيرها من الأجهزة الإلكترونية مثل الكمبيوتر الدفتري. والهدف وراء تصميماتها هو ضمان سلامة الأجهزة التي نستخدمها، فضلاً عن شحنها بما تحتاجه من طاقة لتشغيلها وأناقتها وحسن مظهرها. وقد تحدثت الشابة المصممة لهذا الابتكار التكنولوجي مع أربعة من المصنعين الصينيين وهي تهم بتوفير الأموال اللازمة لطلب الألف وحدة الأولى من ابتكارها الجديد. وعلى سبيل المقارنة، فكم تنبأ منا قبل عقدين من الزمان أن تكون الصين والهند والبرازيل قوى دافعة للابتكار والتكنولوجيا والنمو الاقتصادي العالمي؟ ومن منا توقع أن تبدأ استثماراتنا في مجال التكنولوجيا بتطوير وتهجير تقنياتها من جمهوريات البلطيق إلى دول أميركا الجنوبية؟ وبالنظر إلى تعقيدات الواقع السياسي والاضطرابات التي تعانيها منطقة الشرق الأوسط، فإنه ليس من السهل التفاؤل بأن تتحول المنطقة إلى قوة دافعة للابتكار الإداري والتكنولوجي مثلما حدث في مناطق أخرى من العالم. غير أن شيئاً ما يحدث هنا في الشرق الأوسط، يستحق منا الاهتمام والتشجيع، لأنه يبشر بتحولات شبيهة بما كان يجري في مناطق أخرى نامية عديدة. ___________________________________________ كريستوفر إم. شرويدر كاتب أميركي متخصص في الشؤون الاقتصادية __________________________________________ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"