عندما تستقبل عاصمة عربية في وقت واحد تقريباً ثلاثة من أبرز قادة العالم العربي والآسيوي والغربي، يمثلون نحو مليار و400 مليون نسمة من مختلف الديانات والأعراق، أولهم رئيسة ثاني أضخم دولة في العالم من حيث عدد السكان، والثاني رئيس أكبر دولة عربية، والثالثة ملكة إحدى القوى الكبرى الرئيسية في العالم. وعندما يجتمع في العاصمة نفسها خلال الساعات ذاتها رؤساء برلمانات دول الجوار الجغرافي تمهيدا لقمة إقليمية سوف تستضيفها العاصمة لاحقاً... وعندما تشهد المدينة في الوقت نفسه توزيع جوائز رفيعة المستوى للمؤسسات الحكومية متميزة الأداء وللشخصيات التي قدمت إسهامات بارزة في العلوم والفنون والآداب ، في إطار مبادرات خلاقة لتشجيع وتقدير التفوق الوظيفي والمهني... وعندما تستضيف بالتزامن مع ذلك منتديات وفعاليات متنوعة في مجالات شتى، وتشارك بفرق رياضية مختلفة في بطولات إقليمية ودولية من اليمن إلى الصين، تفوز في بعضها بميداليات معتبرة... ?عندما تشهد أبوظبي كل هذه الأحداث والأنشطة خلال نحو 48 ساعة "ذهبية" بين يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين لابد من تساؤل: ماذا يعني ذلك؟ يعني ببساطة أننا أمام عاصمة عربية استثنائية وسط محيطها الإقليمي، لسببين أساسيين. الأول لأن هذا هو دأبها طوال العام، والثاني لأنه خلال الساعات نفسها التي كانت تموج فيها بكل هذا النشاط، كانت العديد من عواصم المنطقة تشهد مقتل وجرح العشرات، ومزيداً من اضطرابات سياسية واقتصادية تهدد مستقبل دولها. وفي جوار جغرافي من هذا النوع في منطقة أخرى من العالم، ربما تفضل المجتمعات المستقرة الانزواء النسبي، وتفرض على نفسها سياجاً من العزلة خوفا من شظايا التوتر المتصاعد حول حدودها. لكن أبوظبي قررت أن تصبح في قلب الصورة، واختارت الحركة والحيوية والنشاط المفعم بالحياة، المندفع بجسارة وثقة في النفس وفق رؤية مدهشة للمستقبل، تؤمن بقيم التقدم والتواصل والمساواة والعدل لجميع البشر داخلها وخارجها. وفي مسعاها لتحقيق تلك الرؤية، برعت في المزج بين حركتها في مختلف مجالات الإنجاز السياسي والاقتصادي والثقافي والإنساني والرياضي، محلياً ودولياً، في وقت واحد. بل ووظفت إمكاناتها في كل واحد من تلك الفضاءات لصالح الآخر، لزيادة المنفعة الحدية لحركة دؤوبة تجيد استخدام أدواتها بكفاءة، تعجز عنها دول ذات مؤسسات راسخة. وهي تفعل ذلك، بتواضع ومن دون استعراض أو محاولة للفت الأنظار... فقط هي تخطط وتعمل وتنجز بدأب وصبر، لترسخ بقوة، بعد 39 عاما من الانطلاق تجربة الوحدة، في لحظات تواجه فيها عواصم عربية أخرى خطر الانقسام. وبحساب الأعداد الهائلة من قادة العالم والمسؤولين والسياسيين ورجال الأعمال والفنانين والمفكرين الذين يتدفقون عليها طوال العام، أحاداً وجماعات، وبحساب مئات الآلاف الذين يعيشون فيها ويتواصلون منها ببلدانهم الأم، وبتواصلها هي نفسها المستمر مع مختلف عواصم العالم وبنشاطها الذي لا ينقطع في شتى أنحاء الأرض، يمكن بحق اعتبار أبوظبي المدينة التي لا تغيب عنها الشمس. ------ أحمد مصطفى العملة