وهي تتذكر خطاطاً من القرون الوسطى منهمكاً في الحفاظ على أندر كتابات البشرية، تضع "إديث يانج" برفق كل صفحة بالية مهترئة من مخطوطة صينية عمرها 400 عام على منضدة خاصة قبل أن تقوم بوضع شريحة زجاجية عليها من أجل تسطيحها وتسويتها تمهيداً لالتقاط صورة رقمية لها. "يانج"، التي تعمل بمختبر التصوير الرقمي بجامعة هارفارد، ستكرر هذه العملية قرابة 100 مرة بهدف إنشاء سجل رقمي لـ"قصة الزهرة الحمراء"، وهي دراما صينية كُتبت في بداية القرن السابع عشر، لم يطّلع عليها من قبل سوى حفنة من محافظي المتاحف والباحثين المحظوظين. اليوم وبفضل معدات تصوير أقوى بكثير – وأرخص غالبا – مقارنة مع نحو قرن مضى، تعكف المكتبات من كل الأحجام على تحويل كتبها الورقية إلى كتب افتراضية. أما الهدف، فهو تحويل كنوز من المعرفة - كتب ووثائق - ظلت مخفية لفترة طويلة في الأقبية، إلى كتب إلكترونية وتقاسمها مع العالم. وفي هذا الإطار، يقول "نيك وورنوك"، رئيس شركة "أتيز إنوفايشن"، التي يوجد مقرها في لوس أنجلوس وتبيع مجموعة متنوعة من أجهزة المسح الضوئي التي تتيح للفنيين في المكتبات مسح وتصوير ما قد يصل إلى 800 صفحة في الدقيقة:"إن جميع المؤسسات بدأت تقوم بتحويل كتبها إلى كتب رقمية". والنتيجة النهائية كتاب إلكتروني مؤلف من صور من الكتاب الأصلي. ويضيف "وورنوك" قائلاً إن تجارته نمت بمقدار الضِعف بعد ما بات عدد متزايد من المكتبات والمؤسسات الأخرى يدرك قيمة مسح وتصوير الوثائق القديمة؛ حيث تقول شركته إنها باعت أكثر من ألفين من أجهزة التصوير والمسح الضوئي للمكتبات والوكالات الحكومية عبر العالم، ومن ذلك جامعة ستانفورد وجامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس ومركز "جيتي". ويذكر هنا أن أرخص جهاز من أجهزة التصوير والمسح الضوئي التي تنتجها شركة "أتيز"، واسمه BookDrive Mini ، يباع بحوالي 6 آلاف دولار بدون جهازي الكاميرا. "هيو بيفنز"، المتطوع ذو التاسعة والسبعين عاماً الذي عمل لفترة 40 عاماً في مختبر للأسلحة النووية، يُمضي يومين كل أسبوع في فرع "المجموعات الخاصة" لنظام المكتبات العامة بمدينة ألبوكوركي (ولاية نيوميكسيكو) حيث يقوم بمسح وثائق وسجلات على ماسحة الضوئية من صنع شركة "أتيز". وقد تمكن "بيفنز" وفريقه الصغير العام الماضي من مسح وتصوير ما يزيد على 350 مجلدا لسجلات الولادة والوفاة والزواج من ولاية نيو ميكسيكو حيث يقول:"ليس لدينا مال كثير لنستثمره في هذا؛ ولذلك، فإننا نقوم بأقصى ما نستطيع فعله". وتُقبل المكتبات التي تمتلك الإمكانيات المادية على اقتناء الماسحات الضوئية الآلية - تلك التي تستطيع قلب صفحات الكتب بشكل آلي وتصويرها بسرعة كبيرة. ففي المكتبة العامة في نيويورك، يستعمل التقنيون آلة من شركة "كرتاس تكنولوجيز" قادرة على قلب الصفحات بشكل آلي باستعمال نفخات هواء صغيرة، مما يتيح إمكانية مسح وتصوير ما يقارب 40 صفحة في الدقيقة. وتبيع شركة "كرتاس" أجهزتها بالخصوص لمكتبات البحوث والوكالات الحكومية التي تسعى إلى تحويل كم هائل من السجلات الورقية – شهادات الولادة والوفاة، والوصايا، وصكوك الملكية العقارية وغيرها من الوثائق القانونية - إلى نسخ إلكترونية. ورغم أنها باتت تزداد سهولة بمرور الوقت، إلا أن عملية تحويل الكتب المادية إلى كتب إلكترونية مازالت عملية شاقة وتستغرق وقتا طويلاً، وبخاصة بالنسبة للمخطوطات التي يجب أن تُصور يدويا. ولأن ثمة مواد كثيرة جدا - والقليل من أجهزة المسح والتصوير- فإن الأمر قد يستغرق عقودا قبل أن يتسنى نقل جزء يسير من الأعمال المطبوعة في العالم إلى العالم الإلكتروني. وفي هذا الإطار، يتوقع "بول ليكليرك"، المدير التنفيذي لمكتبة نيويورك العامة، أن يكلف تحويل كل ما تحويه مكتبته من كتب ووثائق إلى العالم الإلكتروني "مئات الملايين من الدولارات "، علما بأن التمويل المتاح حالياً مازال لا يمثل سوى جزء صغير من ذلك. وتتوفر جامعة هارفارد على واحد من أكبر برامج التصوير والمسح الرقمي في العالم؛ ولديها عدد من مشاريع الرقمنة الطموحة حيث يعتزم مختبر الجامعة الذي يضم العشرات من التقنيين والمصورين والمصنفين المكتبيين تحويل كل الكتب الصينية النادرة الـ51500 التي تضمها مكتبة يانشينج بالجامعة، والتي تعد أكبر مجموعة كتب من نوعها خارج الصين، إلى كتب إلكترونية. وإضافة إلى مجموعته الصينية، يعمل المختبر الرقمي بجامعة هارفارد على تحويل الكثير من المخطوطات التي تعود إلى القرون الوسطى والألحان الموسيقية الأصلية المدونة بخط اليد. وتقول نانسي كلاين، الأخصائية المكتبية بكلية هارفارد: "إن لدى هؤلاء الأشخاص مهمة مثيرة للاهتمام في عالم المكتبات، لأنهم يلمسون الماضي ويفتحونه للمستقبل". وترى "كاين" أنه بعد أن بات جزء كبير ومتزايد من المواد، التي كان الاطلاع عليها مقتصرا على قلة من المحظوظين متاحاً إلكترونياً، بدأت المكتبات اليوم تستقطب اهتمام الباحثين في كل مكان إذ تقول: "لقد أتاحت هذه العملية دمقرطة جديدة للبحوث... لم يعد المرء مضطراً لامتلاك آلاف الدولارات من أجل السفر إلى هنا، لأنه بات بإمكانه اليوم أن يبدأ رحلته الاكتشافية من أي مكان". ------ ديفيد سارنو ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"