مستعيناً بالتاريخ والأنثروبولوجيا والسياسة ومنظومة معارفه وثقافته الواسعة، يقول المؤلف "تودوروف" في كتابه "خوف البرابرة" الذي نعرضه هنا، إن على الغرب تجاوز خوفه من الإسلام إن أراد تجنب خيانة القيم والمبادئ التي يزعم حمايتها. كما يستنتج أهمية التوصل إلى توازن دقيق وعقلاني بين حماية الغرب لأمنه ومجتمعاته من المتطرفين والإرهابيين، وبين تجنب السعي إلى فرض قيمه وثقافته على الجاليات المسلمة المهاجرة إليه. ويقدم تودوروف نفسه مثالاً حياً لإمكانية التوازن الذي يمكن للغرب أن يحققه في علاقته بالمجتمعات المسلمة، بالقول إن أصله يعود إلى جمهورية بلغاريا الاشتراكية سابقاً، لكنه يحتفي بهويته الفرنسية، كما يحتفي بقيم الحرية الغربية التي انتمى إليها في ذات الوقت. يقول المؤلف إن العلاقة بين الديمقراطيات الغربية والإسلام لم تكن سلسة ولا مريحة في الغالب، لكنها ازدادت توتراً واحتقاناً خلال السنوات الأخيرة. ففي المجتمعات الغربية نفسها، تزايدت الجاليات المسلمة، وفي الوقت نفسه ازداد خوف هذه الجاليات من الخضوع لعملية استلاب ثقافي باسم الاندماج الاجتماعي الذي تتمسك به الدول الغربية. وبالنتيجة، يزداد نفور الجاليات المهاجرة من دعاوى الاندماج هذه، ويفضل أفرادها حماية أنفسهم عبر التحسن بلغاتهم وثقافاتهم ومعتقداتهم الدينية. وبالمقابل تزداد التوترات والاحتقانات في علاقة المجتمعات المضيفة بالجاليات التي تعيش بينها وتغترب عنها ثقافياً واجتماعياً في الوقت ذاته. وفوق ذلك الخوف المتنامي داخل المجتمعات الغربية من الوافد الجديد عليها، وقعت هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة، لتتلوها هجمات مشابهة تقريباً في بعض الدول الغربية. ولا تزال الجماعات المتطرفة تتربص بالغرب وتدبر المزيد من الهجمات للنيل منه. وقد أثارت هذه الهجمات ردود أفعال وتعليقات سياسية كان معظمها مغالياً وهستيرياً أكثر من كونه موضوعياً وعقلانياً. ومقابل هذه المغالاة، يقدم تودوروف قراءته الخاصة لما حدث، في ضوء قيم الاستنارة الأوروبية التي يتمثلها ويدافع عنها بشدة، لاعتقاده أنها لا تزال مفتوحة على مصراعيها أمام الاختلاف الثقافي، والاعتراف بحق الآخر في البقاء والتعبير عن ذاته وهويته الخاصة. وفي سياق القراءة المختلفة التي يقدمها الكاتب لما بعد 11 سبتمبر، يحلل سلسلة الأحداث وردود الأفعال، من اغتيال المخرج السينمائي الهولندي فان جوخ، إلى الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق، وصولاً إلى الحظر الذي فرضته فرنسا على الحجاب، ثم اتجاه العديد من الدول الأوروبية للحد من هجرة المسلمين إليها، إضافة إلى التضييق على الجاليات المسلمة المقيمة فيها لكن الحجة التي يثيرها "تودوروف" في وجه ردود الفعل الأوروبية الهستيرية هذه، هي أن الخوف يمثل خطراً جدياً على من يسيطر عليه. وترتيباً على ذلك يرى أن ما يجعل الغرب بربرياً ووحشياً هو خوفه المفرط من بربرية الإرهابيين ودمويتهم. وإذا كان هؤلاء أشراراً -ولا شك في ذلك- فالخطر أن يتحول الغرب إلى قوة أكثر شراً ودموية ووحشية منهم. وكما يقول ففي دروس التاريخ وتجاربه ما يؤكد أن علاج الداء قد يكون أسوأ من المرض نفسه أحياناً؛ فقد طبقت الاشتراكية لتنقذ المجتمعات من ويلات النظام الرأسمالي القائم، لكنها أنتجت واقعاً أشد سحقاً وزراية بالمجتمعات التي طبقت فيها. كذلك حدث أمر مماثل في عراق ما بعد الغزو الأميركي، فقد جاءت الجيوش الغازية بدعوى إنهاء الطغيان وتخليص العراقيين من ويلاته، وكان الوعد بنشر قيم الحرية والديمقراطية في العراق وما حوله، وصولاً إلى خريطة الشرق الأوسط الكبير. لكن الذي حدث أن حمَلة قيم الحرية واحترام حقوق الإنسان هم أنفسهم من مارس الاعتقال العشوائي، وعذّب السجناء وارتكب أبشع الجرائم بحقهم في سجن أبو غريب، وقاعدة باجرام الجوية، وسجن غوانتانامو... باسم "الحرب على الإرهاب". فهذا هو حصاد هستيريا الخوف وبربريته ووحشيته المهلكة لمن يزعم لنفسه التحضّر واحترام حقوق الإنسان! ويرى تودوروف أن تلك السياسات تقصم ظهر الغرب من ناحيتين: تقوية شوكة العدو المتطرف أولاً، وإضعاف الغرب ثانياً. كما أن القصف الجوي العشوائي لمواقع مدنية يشتبه بوجود المتطرفين فيها، وممارسة التعذيب بحق المعتقلين، هي أفعال تؤجج رغبة الانتقام لدى المسلمين وتعزز بينهم مشاعر الضغينة والغبن، كما تضفي نوعاً من البطولة الشعبية على الإرهابيين، وتمحو الحدود الفاصلة بينهم وبين مناوئيهم. وبذلك يعتقد جميع إرهابيي العالم أنهم مقاومون للإرهاب. وهذا الخلط بين الحقيقة والعنف، هو أسوأ ما تفعله سياسات الغرب المتعلقة بمكافحة الإرهاب. عبدالجبار عبدالله الكتاب: خوف البرابرة المؤلف: تزيفتان تودوروف الناشر: مطبعة جامعة شيكاغو تاريخ النشر: أكتوبر 2010