أحياناً نصاب بانبهار لما يحدث من تحول في عقول البشر. فاليوم يحاصر العقل بقوة فضائيات التخريب التي تبث سموماً معادية للعقل، ونجد لها قبولاً بين الكثيرين. والسؤال: هل هي فضائيات مدعومة ومدروس دورها أم أنها العشوائية التي تسيطر على كل شيء؟ الفضائيات غيرت الكثير من التوجهات والآراء، وهي تلعب دوراً في بلورة المواقف العامة، وإن لم تجد الاهتمام من صناع القرار ولم تؤثر في توجهاتهم. البث الفضائي تحول إلى معول تخريب أكثر منه بناء، ولا نعرف ما إذا كان تخريباً متعمداً ويراد منه تشتيت الانتباه، أم أنه يقع ضمن دائرة اللامبالاة العربية التي تعودنا عليها. لو أخذنا الموضوع الديني مثلاً، فسنجد فضائيات متعددة تبث لنا أفكاراً مدمرة لا تنسجم مع توجهات الدول الحديثة الساعية إلى استيعاب التغير والتعددية الثقافية. هذه الفضائيات مكلِّفة، والمال الذي يدفع لها يأتي من أيدي منظمة تقف وراءه. لكن الخوف هو من الانفلات الذي قد يخرج حتى عن سيطرة الممول. وهنا يحضرني المشهد الأفغاني في حربه ضد السوفييت كدليل على العشوائية في الاختيار والتي مازلنا ندفع ثمنها. العقل الجمعي العربي أصبح محكوماً بهذه الفضائيات، خصوصاً الدينية منها التي تبنت آراء عجيبة، حيث نجد تهميشاً لرجال الدين المنضوين في صف الاعتدال والعقل، كما نجد تهميشاً لمؤسسات دينية كالأزهر على سبيل المثال. والمشكلة هي أن هؤلاء الدعاة الجدد لهم تأثيرهم في عقول العامة، وهم يغيرون الاتجاهات والمواقف... فما السر وراء ذلك! هناك حاجة إلى بحث أسباب التسطيح التي أصيب بها العقل الجمعي في مجتمعاتنا العربية، خصوصاً أن التأثير السلبي لم يعد يقتصر على غير المتعلمين بل نجد الطبيب والمحامي وأستاذ الجامعة... يتأثرون أيضاً! ومما أدهشني فتوى الداعية محمد حسان ضد التماثيل الفرعونية على اعتبار أنها أصنام، وهذا يذكرني بتكسير تماثيل بوذا في أفغانستان من قبل "طالبان" خلال سيطرتها على الحكم هناك. أزمتنا تكمن في فهم أبعاد هذه الفتاوى التي لا تميز بين التراث الحضاري وبين ما يصفونه بالأصنام! والكارثة التي تواجهنا جميعاً هي أن شبابنا يذهبون ضحية هؤلاء، وليس هناك اهتمام كافٍ بما يصيب عقولهم من جرعات السم الذي تبثه الفضائيات الدينية. إنها اليوم تقوم بغسل العقول وتزييف الوعي وتدمير الطاقات الشابة. فدعاتها الجدد يخربون البيوت ويدمرون الأوطان. ولعلي أتذكر قصة "الشيف" (الطباخ) في فندق 5 نجوم والذي كان يتقاضى مرتباً سخياً، ولما سمع فتوى تحرم العمل في فنادق تقدم الخمور، انساق وراءها وتحول إلى متسول فخرب أسرته! ولنا أن نتخيل التداعيات الاجتماعية لهذه الحادثة. والعجيب في الأمر أن من دعا لتحريم خدمة الغربيين في الفنادق بحجة أنهم "كفار"، هم أنفسهم يتسابقون للعلاج في أوطان الكفار كما يسمونهم! فهم إذن يحللون ما يريدون ويحرمون ما لا يريدون. وزراء إعلامنا يجتمعون وينشطون للبحث في المنع، لكن لا يجتمعون ليحموا مجتمعاتنا من شر الدعاة الجدد ولا يسعون لتطوير مؤسساتنا الدينية، وهي مؤسسات خاضعة للحكومات... فما السر في ذلك؟!