منذ التَّاسع مِنْ أبريل 2003 واتحاد أدباء العرب يعلق عضوية اتحاد الأدباء والكتاب العِراقيين، والسبب أن أدباء العِراق لم يخرجوا بسيوفهم لمواجهة الغزو الأميركي، وأنهم أعادوا تشكيل اتحادهم. نتفهم حرص أدباء العرب على القضايا العربية الكبرى مثلما يسمونها هم، وأن غزو العِراق أضر بهذه القضايا كثيراً. لكن في زمن ثقافة حقوق الإنسان لا أظن أن قضية أهم مِن الإنسان نفسه، فإذا لم ينل الإنسان العربي شيئاً مِن حقه في الحياة يصعب عليه التفكير بقضية كبرى! ومعلوم لدى الجميع ماذا كان ملف حقوق الإنسان العراقي والأدباء في المقدمة. لذا يمكن أن يؤخذ موقف رئاسة الاتحاد العام للأدباء والكُتاب العرب بواقعية لو أبدى الاتحاد المذكور كلمة احتجاج ضد مصادرة حق الأدباء والكُتاب العراقيين في الحياة مِن قبل. وأبدأ برئيس الاتحاد الأسبق شفيق الكمالي (ت 1984)، وهو مِنْ القادة الكبار في "البعث"، ولا مزايدة على عروبيته، فقد عاش أواخر حياته مرعوباً مِنْ خياله، ومات بعد خروجه مِنْ السجن متأثراً بعذاباته. لو احتجت رئاسة اتحاد الأدباء العرب بكلمة ضد موت كبار شعراء وأدباء العِراق منفيين بالخارج، وقبورهم صارت موزعة تحت نجوم الأرض. الشُّعراء: محمد مهدي الجواهري (1997)، وعبد الوهاب البياتي (1999) ومصطفى جمال الدِّين (1996) ودفنوا في تربة الشَّام، وبلند الحيدري (1996) بلندن. مات الروائي غائب طعمة فرمان (1990) ودفن في روسيا الاتحادية. ومات اللغوي والمؤرخ إبراهيم السَّامرائي (2001) بعمان، خرج مِن العِراق بعد أن رفض وظيفة القصر وهي مصحح لغة، لكن الرَّجل عالم ولا تليق به تلك الوظيفة. ولو عددنا الهاربين مِن الجحيم الذَّي تصاعد بعد عام 1979 ما وفينا في مقال. بمَ أذكر أعضاء أمانة الاتحاد! هل مرت عليهم قصة تغييب الأديب المرموق عزيز السَّيد جاسم، مع أنه ساير مبكراً حزب السُّلطة، ومع ذلك لم يسلم مِن الفناء. سيكون مقبولاً موقف الأخوة العرب لو نبسوا بكلمة مواساة أو احتجاج على تلك العذابات. لكن ما أن يتشكل اتحاد الأدباء والكُتاب العراقيين ديمقراطياً حتى يقوم الاتحاد بتعليق، أو ما يشبه الاجتثاث للاتحاد العراقي، نراه أمراً خالٍياً من المصداقية. ذلك الاتحاد العِريق الذي تأسس عام 1959، وترأسه شاعر العرب الأكبر، حسب تسمية طه حسين للجواهري، وبعد انقلابات السياسة، ترأسه، وهو جدير أيضاً، الشاعر شفيق الكمالي، ثم ترأسه الشَّاعر حميد سعيد، ولا شك بشاعريته، ثم عبد الأمير معلة، ثم نجمان ياسين، فرعد البندر، وأخيراً هاني وهيب حتى السقوط. ولا اعتراض على شخصيات هؤلاء فكلهم أدباء وشعراء، بغض النَّظر عن مواقفهم السِّياسية، ودرجة إيذائهم لزملائهم، فالكلُّ كانوا مأمورين، ولابد مِنْ نظرة جديدة خالية مِن الثأر، لهذا أعد هؤلاء أدباء العِراق، فلا يوجد مِنهم مَن لم يكن ممتعضاً في داخله، ومنْهم من قتله صمته كمداً. لهذا أشعر أن في موقف الاتحاد العام للأدباء والكُتاب العرب حثاً على الافتراق، وتجديداً للحزازات التي شقت الثَّقافة العراقية، حيث هناك جماعة مِن الأدباء، المتناغمة حزبياً وسياسياً، حظوا بتقدير اتحاد العرب، وأخذوا يتكلمون باسم الثقافة العراقية على أساس أن بقية المثقفين، مِن أدباء وكتاب، مِن المنضوين تحت راية الاتحاد العراقي ببغداد ومِن المعترضين على موقف اتحاد العرب، هم "خونة" لأنهم رضوا بحراب الأميركان واعترفوا بالغزو، وابتعدوا عن القضية الفلسطينية، ومِنْ حق اتحاد العرب أن يعتبرها المركزية في أدبه ونضاله، لكن ليس له الحق أن يقصي الآخرين باسمها. فلا أديب عراقي كتب مادحاً هذا الغزو، ولا فاضل ثامر، رئيس الاتحاد الحالي، وهو أديب وناقد معروف بوطنيته، ولا مَن فاز في عضوية أمانته العامة بعد انتخاب، يندر مثله بالبلدان الثورية، رفع الراية أمام جيوش الغزاة، بل إن الإسراع بتشكيل الاتحاد، بعد الانهيار الشامل في كلِّ شيء بالعراق، هو بحد ذاته ضد الغزو لا معه. ولا يظن أخوتنا العرب أن أدباء العراق رموا بأنفسهم على الأحزاب والشخصيات التي ظهرت على حقيقتها أمام الجمهور، والاتحاد ليس متصالحاً حتى مع وزارة الثَّقافة، لأنها وزارة محاصصة، جمعت خاملين ومشوهين، وما وجود الاتحاد إلا ضمانة لمَن لا يجد في الجماعات الرَّسمية ممثلاً له. أما أن يراد مِن أدباء العراق حمل السُّيوف والانتحار، فلم يفعلها قبلهم أحد، فأميركا موجودة في كلِّ مكان، ولا نرى سيفاً مشهوراً ضدها! لا أدري لماذا يلح اتحاد الأدباء العراقيين على العودة إلى مقعده في اتحاد الأدباء العرب! وما الحاجة لذلك! صحيح أن الساحة العربية هي الامتداد وهي الفضاء للأدب العراقي، لكن ألا تكفي تلك الصلات مع أدباء وكتاب البلاد العربية، والاعتراف بتاريخ أدب عراقي أصيل لا مكتسب؟ هنا أجد ما كتبه أدباء ومثقفون مِن العرب، خارج الأُطر الرسمية، وفي منح جوائز كبرى لمثقفين عراقيين، مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب، وفي حالة حرص مؤتمر البابطين على الاحتفال بالثقافة العراقية، وفي ما كتبه عميد الصحافة السعودية تركي السِّديري معبراً عن موقف عربي صادق، منبهاً إلى إرث العِراق وقدرته على تجاوز المحنة. قال: "نصيحتي أن تبدأ بالعراق، فهو رغم سيئات واقعه السياسي والاجتماعي وتدافع هجرات الهاربين من قسوته إلى مختلف أنحاء العالم، كان هو العجيب الغريب في أمره، في كينونته، فدول عربية لم تخسر بحجم ما فقد ودمر، لكنها تخدرت ثقافياً. فقدْنا تلك القدرات الخلاقة التي كانت شائعة قبل ستين عاماً في دول كثيرة، أما العراق فبقيت تتواصل فيه" (جريدة الرياض 12 أبريل 2010). ألا تكفي اتحاد أدباء العِراق ومثقفيه هذه الكلمات. ألا تكفي اتحاد أدباء العراق بمؤتمره الأخير تهنئة الشاعر علي سعيد أودنيس مثلاً، أو ما يكتبه الباحث الفلسطيني أحمد مطر مثلاً. إذا أصر اتحاد العرب على موقف اجتثاث أدباء العراق فعليه ألا ينسى أن منابع الأدب العربي، من أمثال عمرو بن بحر الجاحظ (ت 255 هـ) وأبو حيان التوحيدي (ت 414 هـ) هم عراقيون! إنه موقف سياسي سيزول بالتأكيد، وعلينا -كعراقيين- عدم الابتعاد، ولا أخذ الثقافة العربية ككل بموقف جماعة.