قبل يومين من سفر أوباما إلى لشبونة للقاء نظرائه في قمة دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" كان سلفه بوش ينتقد "بعض الحلفاء" لأنهم خذلوا أميركا في أفغانستان، إذ تبين أنهم "ليسوا راغبين في القتال". ومضى بوش إلى الأهم موضحاً أن القوات أرسلت إلى العراق "مع افتراض أن لدينا قوات كافية -أميركية ومن الناتو، في أفغانستان"، ثم ظهر خطأ ذلك الافتراض فجرى تصحيحه. في عامه الأول في الرئاسة كان على أوباما أن يدرك أن "الافتراض البوشي" لا يزال خاطئاً، إذ تطلب تصحيحه مجدداً وإرسال المزيد من القوات، لكن هذا القرار استهلك شهوراً من النقاش ومواجهة بين الإدارة والعسكريين. وكانت الأسئلة التي طرحها أوباما بإلحاح هي نفسها التي طرحها الحلفاء في "الناتو" على إدارة بوش وعسكرييها، إذ تتلخص في: لماذا نقاتل وإلى أين نحن ماضون؟ فبعد الحرب التي أطاحت بنظام "طالبان" في خريف 2001 وتنصيب الحكم الجديد في كابول، ومعظم رجاله رجال أميركا قديماً وحديثاً، لم يعد أحد من الحلفاء يعرف ما هي خريطة الطريق. ومع تأزم الوضع العراقي لم يعد أحد من القادة الأميركيين يعرف ما هي الاستراتيجية في أفغانستان. وحتى "الناتو" طاشت الأفكار فيه فاعتبر أن المطلوب هو الحد الأدنى، أي إدارة الخطة الأمنية ومنع أي تصعيد يمكن أن يعرض الجنود للخطر أو يسقط الحكم الأفغاني. لذا راح الحلفاء يقولون: ما دامت أميركا تعتبر أن هذه حربها، وطالما أنه لا خطة لديها، فما عليها سوى أن تخوضها بنفسها. تبدو الاستراتيجية الوحيدة التي تحظى اليوم بالإجماع في "الناتو" هي "استراتيجية الانسحاب"، على رغم أن زيادة عدد القوات الأميركية قدّمت قبل شهور على أنها "استراتيجية نصر على الإرهاب"، وكان مفترضاً أن تكون شهور الصيف الذي مضى حاسمة في فرض تغيير جوهري على الوضع على الأرض. معلوم أن أوباما وافق على إرسال المزيد من القوات على مضض، ثم اشترط أن يبدأ الانسحاب منتصف سنة 2011. لم تصدق الحكومات الحليفة هذا الموعد، ولم تأخذه قيادة "الناتو" في الاعتبار، وكان رئيس الوزراء البريطاني الجديد في منصبه أول من تحدث عن السنة 2014 موعداً لسحب قواته. ومن دون أن يبدل أوباما موقفه المعلن بات يتمنى أن يحصل توافق في قمة لشبونة على هذا الموعد في 2014 وهو ما حصل، لكن مع بعض التحفظات، فلا أحد يضمن التطورات ميدانياً. في غضون ذلك كان قادة عسكريون يعيدون التوقعات إلى حجم أكثر واقعية، فما يؤمل بالنسبة لهم ليس النصر على "طالبان" وإنما احتواؤها. وفي الأثناء أيضاً طفا على السطح خلاف بين الرئيس كرزاي والجنرال بترايوس، فالأول يعرف خصوصيات الوضع الأفغاني أكثر من الآخر، ولدى الأول علاقات تعاون يقيمها ويريد أن يطورها مع "أمراء حرب" ووجهاء قبائل وقادة جماعات محلية استدراجاً لولائهم ولا يبدو أن الجنرال يحبذ كل أفكار الرئيس وممارساته. ولكن واشنطن حسمت بأن كرزاي لا يزال "هو الرجل" في هذه المرحلة، خصوصاً أنه أصبح أكثر استعجالاً في التعامل مع "استراتيجية الانسحاب". في أي حال أصبح مفهوماً أن الانسحابات ستبدأ تباعاً خلال السنة المقبلة، فلدى الدول المشاركة استحقاقات داخلية (مثلاً، الانتخابات الرئاسية في فرنسا في 2012) تلزمها بتلبية مطالبات الرأي العام بالخروج من حرب يمكن أن تستمر بلا نهاية. ثم إن بعض الدول يخشى أو يشتبه بأن "تحالف المصالح" بين زعماء في الكونجرس وشركات التصنيع الحربي الأميركية يمكن أن يكيف "مؤسسة النظام" مع فكرة "الحرب الدائمة"، التي تصلح كذريعة لسياسات أخرى أو حتى لحروب أخرى. قمة لشبونة كانت أيضاً مناسبة لحدث مهم يتمثل في تقارب جديد من نوعه بين "الناتو" وروسيا، ويمكن أن يكون نواة لبناء "وفاق" ثابت ودائم. الحدث الآخر يتعلق بالدرع الصاروخية في أوروبا من دون اعتراض روسي هذه المرة، ولكن مع موافقة أميركية على طلب تركيا أن لا تعتبر الدرع موجهة ضد إيران. ولم تكن للصين أو للهند ملاحظات تذكر على هامش القمة، لكن المداخلة الخطيرة جاءت من المدعو "أبو مصعب عبد الودود" زعيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" ليدعو فرنسا للانسحاب فوراً من أفغانستان وإلا فإن عليها أن تفاوض أسامة بن لادن شخصيّاً لتحرير رهائنها في مالي. في عقيدته العسكرية الجديدة يضع "القاعدة" في رأس لائحة المخاطر، و"القاعدة" اختارت فرعها المغاربي للتأكيد على أنها ماضية في حربها على "الناتو".