هل نحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد في إدارة الباحثين عن عمل من المواطنين؟ هل من الممكن تصديق أننا لم نتمكن خلال أربعة عقود من الوصول إلى رقم صغير في عدد العاطلين عن العمل؟ ولماذا يحتل المواطنون فقط نصف عدد العاملين في القطاع الحكومي وشبه الحكومي؟ أين ذهب النصف الثاني، ولماذا لم يتم إدراك أبعاد ومخاطر مشكلة البطالة التي كشفت عنها دراسة حديثة تشير إلى أن البطالة انعكاس مباشر لحجم الناتج القومي وتعد هدراً خطيراً للموارد البشرية، وتزيد من معدلات الفقر التي بالضرورة تعني زيادة الانحرافات والجرائم؟ ولعل الأزمة المالية العالمية كشفت جانباً مهماً، عندما تعثر البعض وتراجع بعض الشركات في شرك الإفلاس وباتت البنوك اليوم تبحث عن المواطن لتقرضه، يقيناً منها بأنه الفئة الوحيدة القادرة على السداد لأنه لن يغادر إلى مكان كغيره. المناداة بالتوطين وحل مشكلة البطالة لا تعكس أبداً تجاوزاً على حقوق أحد، أو رفضاً لاستئجار العامل الوافد كما يحلو للبعض الترويج. إنها عملية اقتصادية محضة تستهدف زيادة نسبة النجاح الاقتصادي في البلاد. ولعل أرباب العمل في القطاع الخاص هم أول من روّج لما يدعيه البعض من "كسل المواطن"، وضعف إنتاجيته تهرباً منهم من الإجابة على أسئلة، لماذا يستقدمون عاملاً أجنبياً في حين بالإمكان الاستعانة بمواطن إماراتي؟ ولعل البحرين والسعودية والكويت دول قطعت خطوات مهمة في توطين قطاعها الحكومي والخاص، وكانت نموذجاً يمكن الاحتذاء به، خاصة أن دول الخليج تشترك شعوبها في الكثير من السمات والخلفية الثقافية ما يعني أن إشاعات مغرضة تقلل من كفاءة العنصر المواطن مرفوضة من جذورها، بل وتكشف كذبها من تجارب دول الخليج الناجحة. وتشير هذه الدراسة أن عدد الباحثين عن عمل تجاوز الـ27 ألف شخص، وهو رقم مقلق إذا ما قورن بعدد السكان من المواطنين. وأزعم أن مثل هذه الدراسة تكرر منذ عدة سنوات والرقم يزداد كل عام وهو يعكس عدم حسم المسألة، وأن الأمر بحاجة إلى اتخاذ قرار صارم في عملية الإحلال، وفي إلزام القطاع الخاص بالمساهمة في حل هذه المشكلة. وقد يكون الرقم مزعجاً، لكنه ليس صعباً في إيجاد الحل للوصول إلى بدائل تهتم بالمشكلة، والبدائل لا تطرح حلاً سحرياً يستطيع فيه التوطين أن يحقق نجاحه، بل الأمر يحتاج إلى خطة محكمة نصل من خلالها إلى رقم يمكن اعتباره مقبولاً ومرضياً، وفي الوقت نفسه، لا يشكل عائقاً أمام النهضة الاقتصادية المأمولة. لا شك أن الدعم الحكومي مطلوب، كما يحتاج الأمر إيماناً بأهمية مثل هذه المشكلة وخطورة تداعياتها، لأن الاهتمام والسرعة هما عاملا النجاح اللذان يضمنان احتواءها والتقليل مما يمكن حدوثه إذا تفاقمت البطالة وزاد عدد العاطلين.