وصل الصراع الإسرائيلي -الفلسطيني لمرحلة حرجة في الوقت الراهن. فخلال أزيد من عقدين كان حل الدولتين يمثل الأساس الذي قامت عليه الجهود الدولية الرامية لإحلال السلام في المنطقة، بيد أن الرفض الإسرائيلي لإيقاف بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين، يجعل من إقامة دولة فلسطينية متصلة الأجزاء وقابلة للحياة أمراً مستحيلاً. وفشل حل الدولتين، سوف يؤدي إلى توليد مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، وإلى تعزيز نفوذ عناصر الرفض على الجانبين، كما سيعني أن الصراع سيتواصل لأجيال قادمة، وتالياً سيضر بمكانة أميركا في الشرق الأوسط وبمصالحها وأمنها القومي. ورغم ذلك، لا يبدو أن هناك إدراكاً من جانب القادة الإسرائيليين، ومن جانب البعض في الولايات المتحدة بخطورة اللحظة الحالية ودرجة إلحاحها. وهذا الوضع جعل العديد من المراقبين في المنطقة، وخارجها، يتوصلون لاستنتاج مؤداه أن سياسة إسرائيل القائمة على فرض "حقائق على الأرض" تهدف إلى جعل عملية تقسيم الأراضي بينها وبين الفلسطينيين غير قابلة للتنفيذ في نهاية المطاف. والمستوطنات ليست موضوعاً مجرداً أو ثانوياً بالنسبة للفلسطينيين، الذين يرون التمدد الدائم للمستوطنات اليهودية وهي تبتلع أراضيهم وأحلامهم المستقبلية، خصوصاً وأن ما يقرب من نصف مليون يهودي يعيشون حالياً بشكل غير قانوني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهو عدد آخذ في التزايد. ومنذ البداية، كان الدافع الرئيسي للمشروع الاستيطاني اليهودي هو الحيلولة دون تأسيس دولة فلسطينية، وكان هذا الدافع هو الذي جعل المخططات الاستراتيجية لإسرائيل تركز على اختيار مواقع تلك المستوطنات بطريقة تؤدي إلى تقسيم وعزل المراكز السكانية الفلسطينية، عن بعضها بعضاً من ناحية، وعن العالم الخارجي من ناحية أخرى. والمستوطنات لا تبتلع الأرض التي يفترض أن تقام عليها الدولة الفلسطينية فحسب، ولكنها تجتذب أيضاً متطرفين مسلحين وعدوانيين يهاجمون الفلسطينيين، ويدمرون منازلهم، ويقتلعون محاصيلهم، ويدنسون أماكنهم المقدسة. وفي عام 1988 وافق المجلس الوطني الفلسطيني على إقامة دولة فلسطينية فوق 22 في المئة فقط من أرض فلسطين التاريخية. وفي عام 1993 اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية رسمياً بإسرائيل كجزء من اتفاقيات أوسلو. وكانت هذه تنازلات تاريخية كبرى من جانبنا، لكن إسرائيل لم تعترف بها ولم تقدم أي تنازلات في المقابل. ليس هذا فحسب، بل إن إسرائيل تطالبنا في الوقت الراهن بتقديم مزيد من التنازلات حتى عن الحصة التي تقل عن ربع فلسطين التاريخية والتي رضينا بها، كما تدعونا ليس فقط للاعتراف بها كدولة، ولكن أيضاً كدولة "يهودية" تحديداً. والقيادة الفلسطينية لا تزال ملتزمة بالتوصل لتسوية سلمية متفاوض عليها للصراع على أساس حل الدولتين، بيد أنها لا تريد أن تظل منخرطة في عملية لا تؤدي إلى شيء في النهاية، وتوفر في نفس الوقت غطاءً لاستمرار الاحتلال لأراضينا. ونحن لن نقوم بعمل من جانب واحد، لكن ذلك لا يعني أننا لن نقوم باستكشاف كافة الخيارات المتاحة والتعاون مع أعضاء المجتمع الدولي، والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة. وإذا لم يتمكن الفلسطينيون من حماية حقوقهم، من خلال استخدام الوسائل السلمية، مثل الاحتجاجات الشعبية غير العنيفة، والسعي للحصول على التعويضات القانونية من خلال المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، فإن الكثيرين منهم سوف يرون حينئذ أن العودة للمقاومة المسلحة هي الخيار الوحيد المتاح، مع ما يترتب على ذلك من عواقب كارثية للجميع. وإسرائيل من جانبها، ترغب في تجنب المباحثات متعددة الأطراف، كما تعارض اللجوء للقانون الدولي، وتفضل بدلاً من ذلك الانخراط في مباحثات ثنائية تعكس الفارق الضخم في القوة بينها وبين الفلسطينيين بما يمكنها من إملاء شروطها، وليس التفاوض بشأنها. ولضمان عدم حدوث شيء مثل هذا، فإننا بحاجة إلى انخراط إيجابي وجاد من جانب الولايات المتحدة، وغيرها من الفاعلين الدوليين في جهود الحل. والإسرائيليون وضعوا أنفسهم في زاوية ضيقة حيث لم يعد أمامهم سوى البدائل التالية: إما الاستمرار في فرض الأمر الواقع، والتحكم في حياة ملايين الفلسطينيين دون منحهم حقوقاً سياسية، وهو وضع لا يمكن الدفاع عنه، إذ ليس له أي سند شرعي، وقد سبق لاثنين من رؤساء الوزراء الإسرائيليين السابقين أن شبهوه بالآبارتايد (الفصل العنصري)... أو منح الفلسطينيين حقوقاً متساوية في دولة واحدة ثنائية القومية... أو تفكيك المستوطنات والسماح بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. رئيس الوزراء الإسرائيلي يقول إنه يؤيد حل الدولتين، بيد أن الأفعال التي تقوم بها حكومته، وقائمة الشروط الطويلة التي يحاول فرضها على قيام أي دولة فلسطينية في المستقبل، تترك مجالاً واسعاً للشك في نواياه. ولإنقاذ حل الدولتين، يجب على القادة الإسرائيليين أن يغيروا مسارهم الحالي، ويظهروا جديتهم، وصدق نواياهم على الفور، وذلك من خلال إنهاء كافة الأنشطة الاستيطانية من دون شروط، لإفساح المجال أمام سلام حقيقي ودائم بين الشعبين. ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"