رغم الجدل الذي صاحب في البداية زيارة الرئيس الأميركي إلى الهند، وهي الأطول التي يقوم بها رئيس الولايات المتحدة إلى بلد أجنبي، فإنها اختتمت في النهاية بنبرة متفائلة بددت الجدل الذي صاحبها عند انطلاقتها. فالرئيس الأميركي الذي عُرف بمواقفه الهادئة والوسطية حرص ما أمكن على تجنب المشاكل عبر الموازنة بين مغازلته للهند، والسعي إلى تعميق التعاون معها وبين الامتناع عن توجيه انتقادات علنية إلى باكستان، فقد توقف أوباما خلال محطته الأولى في مومباي عند "فندق تاج"، الذي تعرض للهجوم الإرهابي في عام 2008، وشارك في إحياء ذكرى الضحايا الذين سقطوا خلال الهجوم، وبهذه المناسبة توقعت وسائل الإعلام الهندية التي تراقب عن كثب السياسة الأميركية تجاه باكستان أن يدين الرئيس الأميركي الاستخبارات الباكستانية، ويضغط على إسلام آباد لجلب الضالعين في عملية مومباي إلى العدالة. غير أن الرئيس الأميركي الذي كان واعياً بحساسية الموضوع لم يأتِ على ذكر باكستان ولو مرة واحدة خلال مراسم إحياء الذكرى، بل إنه عندما سأله أحد الطلبة، في معرض تفاعله مع أكثر من 600 طالب، عن السبب الذي يمنع الولايات المتحدة من إعلان باكستان دولة إرهابية لدعمها شبكات إرهابية ومساعدة عناصرها أجاب أوباما الذي توخى أعلى درجات الحكمة والتعقل أن باكستان بعدد سكانها البالغ 160 مليون نسمة، هي بلد كبير ينطوي على أهمية استراتيجية قصوى ليس فقط للولايات المتحدة، بل للعالم ككل. ورغم اعترافه بوجود جماعات إرهابية تنشط فوق التراب الباكستاني، فإن الرئيس الأميركي أكد مساعدة واشنطن لإسلام آباد في التصدي للإرهاب وضرب مواقعه الحصينة، وأضاف أوباما أن البلد ذا المصلحة الأكبر في استقرار باكستان وازدهاره هو الهند، ناصحاً نيودلهي بحل مشاكلها مع إسلام آباد من خلال الحوار والتركيز أولاً على "القضايا الأقل خلافاً" ثم الانتقال إلى "تلك الأكثر خلافاً"حتى يحقق البلدان معاً الرخاء المأمول لشعوبهما. وبرفضه الانحياز إلى الهند في إدانته للإرهاب القادم من باكستان، أصر أوباما على ضرورة حل البلدين لمشاكلها بأنفسهما دون تدخل أطراف خارجية، لكن رغم ذلك وفي خطابه أمام البرلمان الهندي في نيودلهي، طالب أوباما باكستان بتقديم مرتكبي هجمات مومباي للعدالة، مذكراً في الوقت نفسه أن باكستان مدركة للخطر الذي يلحقه الإرهاب بمصالحها وأمنها. وقد برزت باكستان أيضاً في النقاشات التي دارت بين الرئيس أوباما ورئيس الوزراء، مانموهان سينج، وعكسها البيان المشترك الذي تلاها. وفي كل الأحوال تشي التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأميركي أن الولايات المتحدة مازالت ترى في باكستان حليفها الأساسي في حربها الدائرة بأفغانستان، لذا فهي لن تضغط كثيراً على إسلام آباد في موضوع الإرهاب الذي ينفجر بين الفينة والأخرى في وجه الهند. وفيما أعرب الرئيس الأميركي عن تقديره للجهود التي تبذلها الهند في أفغانستان، لا سيما في مجال الاقتصاد والاستثمار لم يشر إلى أي دور سياسي لنيودلهي في أفغانستان لما ينطوي عليه هذه الأمر من حساسية بالنسبة لباكستان، وعلى غرار رؤساء الدول عندما يقومون بزيارات إلى بلدان أجنبية سعى أوباما إلى تعزيز مصالح بلده من خلال مغازلته للهند التي تتوفر على أحد الاقتصادات الأكثر نمواً في العالم، كما أن الرئيس أوباما الذي جاء إلى الهند بعد تعرض حزبه "الديمقراطي" لهزيمة قاسية في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس كان يضع عينيه خلال زيارته على الرأي العام الأميركي، فهو لم يفوت فرصة الزيارة للتأكيد على أن مهمته الأساسية هي مساعدة الاقتصاد الأميركي المتعثر على الإقلاع، وفي الوقت الذي تسجل فيه معدلات البطالة في الولايات المتحدة نسباً مرتفعة حرص أوباما على الربط بين زيارته للهند وخلق المزيد من الوظائف، لا سيما بعد الصفقات التجارية التي وقعها البلدان خلال اليوم الأول من الزيارة، والتي تصل قيمتها إلى 15 مليار دولار، ومن المتوقع أن توفر 54 ألف فرصة عمل في الولايات المتحدة. وفيما يتعلق بالهند، فقد نجحت في تعميق تعاونها مع الولايات المتحدة في مجالات مهمة مثل الفضاء والطاقة النووية السلمية والدفاع وباقي قطاعات التكنولوجيا المتطورة، هذا بالإضافة إلى شطب أميركا لمنظمة أبحاث الفضاء الهندية ومنظمة تطوير أبحاث الدفاع من القائمة السوداء. وإعلان أوباما دعمه للهند للانضمام إلى نادي الأربعة النووي الذي يشمل مجموعة مزودي التقنية النووية ونظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ، ولم ينسَ أوباما وهو يصف الهند بالقوة العالمية تأييد تطلعاتها في الحصول على مقعد دائم بمجلس الأمن الدولي، لكن التأييد الذي منحه للهند رهنه أوباما بتحمل نيودلهي لمسؤولياتها التي تصاحب وضعها الجديد. ومع أن أوباما لم يحدد على وجه الدقة المقصود بتلك المسؤوليات، إلا أنه يريد من الهند الانضمام إلى جهود عدم الانتشار النووي، لا سيما في ظل الخطر الذي تشكله إيران، كما أشار أوباما في هذا السياق إلى مسألة احترام حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة، ولربما كان يفكر في كشمير، بالإضافة إلى إدانته لغياب الديمقراطية في ميانمار التي تحاول الهند تحسين علاقتها معها لدوافع استراتيجية. لذا من السابق لأوانه التعامل مع تصريحات أوباما على أنها التزام أميركي ثابت تجاه الهند، بحيث يمكن للولايات المتحدة استدعاء شروطها في أي وقت لتجميد دعمها المبدئي لنيودلهي. أما فيما يتعلق بضم الهند إلى مجلس الأمن الدولي كعضو دائم، فذلك لن يحدث إلا على المدى البعيد عندما يعاد النظر في مجمل هياكل الأمم المتحدة ويصار إلى إصلاح نظامها.