تناقش بعض أجهزة الإعلام الأميركية هذه القضية، أوباما، مسيحي أم مسلم؟ فالهوية الدينية أحد اختيارات الاتجاهات المحافظة في أميركا. تسقطها على الرئيس دون تحليل لأعماله وقراءاته واتجاهاته السياسية ورؤيته للسياسة الدولية. وهو إغراء للهويات الدينية في الوطن العربي والعالم الإسلامي بعد ضعف الهوية الوطنية وانتشار الهويات الدينية بديلًا عنها، مسلم، قبطي، سني، شيعي، والمطالبة بالتسليم بإسرائيل كدولة يهودية لإعطاء الشرعية لها وسط نظم وحركات تريد دولة دينية. يذهب أوباما إلى الكنيسة ليصلي مع أسرته ليبرهن على أنه مسيحي. والآخرون يذكّرون باسمه حسين، وبأصله الأفريقي وقضاء فترة شبابه في إندونيسيا، وخطابه في جامعة القاهرة الذي أبدى فيه احتراماً متزايداً للإسلام وللعالم الإسلامي، وبدايته بتحية الإسلام "السلام عليكم"، واستقباله للجاليات العربية والإسلامية في البيت الأبيض، ودعمه للحريات الدينية. ومع ذلك "يتهمه" آخرون بانتمائه للإسلام وبتعاطفه مع المسلمين، وبضغطه على إسرائيل لإيقاف الاستيطان، ورفع الحصار عن غزة، والمساعدة في إنشاء الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو- حزيران 1967، وكذلك مساعدته الإنسانية للفلسطينيين، وتعاطفه معهم. والقضية الفلسطينية تـُصفى يوماً وراء يوم بسكانها المسلمين والمسيحيين. تهوَّد القدس وبها كنيسة القيامة. وتحاصر بيت لحم. وتتحول المساجد والكنائس إلى آثار يهودية. وإذا كان مسلماً فما الموقف من العدوان على العراق، والحرب في أفغانستان، وسقوط المدنيين الأبرياء، النساء والأطفال والشيوخ. والإسلام والمسيحية لا يقبلان العدوان، ويحافظان على الحياة. وإذا كان مؤمناً بمبادئ الجمهورية الأميركية، وبالدستور، وبوثيقة الاستقلال، فكيف يقبل بيهودية الدولة الحليفة؟ وإذا كان ينقد النظم الدينية الإسلامية في السودان والصومال والحركات الإسلامية الأصولية، ويشيد بالعلمانية، وينتسب إلى التراث الغربي، فصل الدين عن الدولة، فكيف يمكن أن يؤيد يهودية الدولة كوطن قومي لليهود، وفي الوقت نفسه يبشر للوطن العربي بشرق أوسط ديمقراطي جديد، تتعدد فيه القوميات والديانات وهو يرى هدم منازل الفلسطينيين كل يوم وطردهم من أراضيهم؟ وكيف يمكن أن تؤيد أميركا، قبل ذلك، بعض أنظمة القهر في الوطن العربي، وترسل بمعتقلي جوانتانامو للبلاد العربية سواء كان من يحكم أميركا مسيحيّاً أم مسلماً؟ والمسيحية تقوم على حب الجار، وأوباما ما زال يناهض شافيز وكاسترو وكل الأنظمة المستقلة في أميركا اللاتينية. ويواجه النظام الإيراني بدعوى امتلاكه أسلحة الدمار الشامل، وإسرائيل تمتلكها. أن يكون الإنسان مسلماً بالأعمال وليس بالأقوال، بالأفعال وليس بالنوايا الحسنة. وأن يكون الإنسان مسيحيّاً بالإيمان بالقيم المسيحية وعلى رأسها حب الجار، ونصرة الضعفاء، ومساعدة المحتاجين، وشفاء المرضى، وإعانة الفقراء، وهم بالملايين في فلسطين والعراق وأفغانستان. ويتبع سياسة السلام وليس العدوان. يمثل الإمبراطورية الرومانية الجديدة وليس الإيمان المسيحي في مواجهتها. عصره عصر الشهداء، وإلقاء المسيحيين في أفواه الأسود! والعيب عيبنا، إلقاء الكرة في ملعب أوباما، وإلقاء مسؤوليتنا عليه. فهو المطعِم عن طريق المعونات، والمنقذ عن طريق الزيارات والأحلاف، والمخلص عن طريق الأقوال والوعود بالخلاص القريب. نحن المسلمين المناضلين أم الخانعين المستجدين للنصر من عنده تعالى. نحن المتخلفين نبحث عن الخلافة في السياسة، والتوريث في الحكم كما كان يفعل الخليفة العباسي في بغداد قبل سقوطها على أيدي التتار في منتصف القرن السابع الهجري في 652هـ، وكما كان يفعل الخليفة في إسطنبول قبل سقوط الخلافة في نهاية الربع الأول من القرن العشرين في 1923 ميلادية. نتصوره وكأن بيده كل شيء، والرئاسة أحد مكونات النظام الأميركي مع الكونجرس بمجلسيه والدستور والقضاء بشكل علني، وجماعات الضغط ورأس المال وأصحاب الأعمال والأحقاد الدفينة المترسبة في الرجل الأبيض، وتاريخ الولايات المتحدة الذي يقوم على استئصال شعب بأكمله من أرضه ووضعه في محميات للسياحة والفنون. فما تفعله إسرائيل بسياسة الترحيل للفلسطينيين ليس غريباً ثقافيّاً وسياسيّاً عن التاريخ الغربي، والأميركي. نسقط نظمنا عليه، ونتعامل معه بتصوراتنا، الحاكم السحري الذي يأمر فيطاع، شرقاً فشرق أو غرباً فغرب. اشتراكية فاشتراكية أو رأسمالية فرأسمالية. لا صلح ولا مفاوضة ولا اعتراف فمقاومة واستعداد وحرب، أو صلح واعتراف وسلام فمعاهدة وتطبيع وأرض ما زالت محتلة أو منزوعة السلاح. وتكثر الزيارات، وتتعدد المقابلات، وتخرج التصريحات، هنا وهناك، والواقع لا يتغير، والاحتلال مستمر، والاستيطان يقضم الأرض قطعة قطعة حتى لا يبقى شيء يمكن التفاوض عليه. يقبل الضغوط الإسرائيلية أو يستسلم لهواه. ويستعد لمشروع الدولة الفلسطينية المؤقتة بلا حدود في الأرض أو في الزمان. ثلثها المجاور لإسرائيل ابتلعته الكتل الاستيطانية الكبرى. وثلثها في الوسط يعيش عليه الفلسطينيون تحت "محافظين مدنيين" بحسب التصور الإسرائيلي. وثلثها المجاور لنهر الأردن تحت الاحتلال حماية للأمن القومي الإسرائيلي. فقد وجدت إسرائيل لتبقى. وحدودها ما يستطيع الطيران الإسرائيلي، ذراع إسرائيل الطويلة، الدفاع عنه، من المغرب إلى باكستان. والتطبيع أولًا جنباً إلى جنب مع خلق شرق أوسط جديد في مواجهة إيران، وفي كومنولث جديد وخطط تنموية جديدة بعوائد النفط والعمالة العربية بدل هجرتها الشرعية أو اللاشرعية، والعقول الإسرائيلية. وتنتهي قصة العرب كما انتهت قصة الخلافة. ومن يتظاهر لفك الحصار عن غزة ونصرة قضية فلسطين غربيون مسيحيون ومسلمون مهاجرون. شافيز مسيحي ينصر العرب. ومن اعترف بإسرائيل وعقد معاهدة صلح معها وهي مازالت تحتل الأراضي مسلمون. فما الفرق أن يكون الرئيس الأميركي مسيحيّاً أو مسلماً، والسلوك واحد، والرؤية واحدة، والدم يسيل في كل مكان، مسلمين ومسيحيين؟ ولغة الطائفية تسود المنطقة، والهوية الطائفية تعم، الشعوب والنظم. ويصبح الدين بديلًا عن السياسات، ذرّاً للرماد في العيون، وتشريعاً أبديّاً لمصالح وقتية، والاختفاء وراء السماء للسيطرة على الأرض. والغواية مستمرة سقط فيها العرب والمسلمون. خير أمة أخرجت للناس تستجدي النجدة والخلاص. وتستغيث.