تعدّ إمارة أبوظبي في الوقت الراهن من القوى المعدودة على مستوى العالم التي تمارس أنشطتها الاقتصادية بحريّة تامّة بعيداً عن الضغوط المتولّدة جرّاء الأزمة المالية العالمية وما ترتب عليها من تحدّيات، فما زالت الإمارة مستمرة في تنفيذ خطتها التنموية الطموح المعروفة بمصطلح "الرؤية الاقتصادية لأبوظبي 2030"، بكل ما فيها من تفصيلات ومشروعات ضخمة، دون أن تضطر إلى إلغاء أو حتى تأجيل بعضها، بالرغم من أن الإمارة قد وضعت هذه الخطة قبل اندلاع الأزمة المالية. ويشير ذلك إلى أن إمارة أبوظبي تتمتّع بمقدار كافٍ من السيولة بما يمكّنها من الاستمرار في الإنفاق على مشروعاتها التنموية دون توقف، ودون أن تتأثر بالضغوط السلبية للأزمة المالية العالمية، حتى أن الإمارة تخطط لإنفاق نحو 90 مليار دولار على تطوير البنى التحتية خلال الأعوام الخمسة المقبلة، بواقع 18 مليار دولار سنويّاً، وفق ما ورد مؤخراً في بيانات مصرف "ستاندرد تشارترد". وإلى جانب هذا الاهتمام الكبير الذي توليه إمارة أبوظبي للاستثمار في البنى التحتية فإنها تبذل جهداً مماثلاً أيضاً في الجوانب والأنشطة الاقتصادية الأخرى، فمن المخطط أن تنفق ما يتراوح بين 60 مليار دولار و70 ملياراً خلال السنوات العشر المقبلة لتنفيذ عدد من المشروعات في القطاعات النفطية، بهدف مضاعفة قدراتها الإنتاجية لكل من النفط والغاز الطبيعي في نهاية تلك الفترة. ولا يعدّ ذلك الكم الكبير من الاستثمارات الذي تخطّط أبوظبي لتوجيهه إلى القطاعات النفطية خلال الفترة المقبلة إلا جزءاً يسيراً من الاستثمارات الضخمة التي تنوي تخصيصها لقطاعاتها الاقتصادية غير النفطية خلال الفترة نفسها، خاصة أن الإمارة تسعى في إطار رؤيتها المستقبلية إلى تنويع اقتصادها بعيداً عن القطاعات النفطية لضمان استدامة التنمية، فهي تستهدف أن تصل بحجم الناتج المحلي الإجمالي لقطاعاتها غير النفطية إلى أكثر من 50% من ناتجها المحلي الإجمالي بداية من عام 2015، وذلك كخطوة على الطريق الأطول الذي ترسمه الإمارة لنفسها، والذي يستهدف الوصول بناتج القطاعات غير النفطية إلى نحو 64% من الناتج المحلي الإجمالي للإمارة في عام 2030 أي بنهاية الأفق الزمني للرؤية المستقبلية. وفي خضم هذه المسيرة الحافلة فإن تمكّن أبوظبي من إدراك أهدافها المرحلية ومن ثم أهدافها التنموية النهائية يعني أنها تتحوّل إلى مركز مالي واقتصادي إقليمي وعالمي، تجذب إليها أنظار المتابعين حول العالم من دول ومنظمات ومستثمرين، مستفيدة من الظروف المواتية لذلك على الساحة الاقتصادية العالمية حاليّاً، والتي تشهد تغيّراً جوهريّاً في هيكل النظام المالي والتجاري والاقتصادي العالمي، حيث إن هناك هجرة واسعة تمارسها تدفّقات كل من رؤوس الأموال والتجارة العالمية من النصف الغربي من الكرة الأرضية الذي يعاني اقتصاديّاً إلى النصف الشرقي الصاعد بقوة لتزداد تركّزاً في الشرق. وفي مثل هذه الظروف تمتلك أبوظبي بما تحقّقه من ازدهار اقتصادي فرصاً قوية للصعود كقوة اقتصادية ومالية إقليمية وعالمية، بخاصة أن موقعها الجغرافي يجعلها جزءاً من الشرق الصاعد، وحلقة وصل مهمّة بين الشرق والغرب. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية