يولي اليابانيون اهتماماً كبيراً لمنطقة الخليج العربي، حيث يستوردون زهاء سبعة وثمانين في المئة من احتياجاتهم النفطية منها. ويأتي هذا الاهتمام في مرحلة تحاول فيها اليابان تحسين ميزان مدفوعاتها مع دول الخليج العربية، كجزء من برنامج اقتصادي يحاول النهوض بالاقتصاد الياباني من الكبوة التي تعرض لها منذ منتصف التسعينيات وحتى الوقت الحاضر. وقد سعت الحكومة اليابانية مؤخراً إلى دعم الاقتصاد والاستثمار عبر الإعلان عن نيتها في صرف واحد وستين مليار دولار لإنعاش الاقتصاد وتدعيم قدرة شركاتها على المنافسة، خاصة بعد أن حلت الصين كثاني أكبر اقتصاد في العالم، بدلاً من المكانة التي كان يتمتع بها الاقتصاد الياباني. وعلى رغم أن دول شرق آسيا كانت ولا زالت تمثل سوقاً مهمة للصناعات والصادرات اليابانية، إلا أن بلداً مثل كوريا الجنوبية قد أصبح منافساً كبيراً للمصدرين وشركات المقاولات اليابانية الضخمة. وقد تبين ذلك مؤخراً بحصول بعض الشركات الكورية على عقود كبيرة لإنشاء أول محطتين نوويتين سلميتين لإنتاج الكهرباء في منطقة الخليج العربي، وذلك في دولة الإمارات العربية المتحدة، ويتوقع البدء في إنتاج الكهرباء مطلع عام 2017. وتأمل الشركات اليابانية في أن تستفيد من العقود المتوقعة لإنشاء محطات نووية مماثلة لتحلية المياه وإنتاج الكهرباء في كل من الكويت والمملكة العربية السعودية، التي ستنشأ تحت الإشراف الكامل للوكالة الدولية للطاقة النووية، ولأغراض سلمية بحتة. ومن ناحية ثانية، لا زال اليابانيون يعتمدون بشكل كبير على الحماية الأميركية لتجارتهم في أعالي البحار، وقد أثبت الحادث الذي تعرضت له ناقلة النفط اليابانية عند مدخل الخليج، أن اليابانيين بحاجة إلى حماية لسفنهم التجارية في السواحل المتاخمة للصومال وفي منطقة الخليج العربي، وغيرهما من المناطق الساخنة في أعالي البحار. وعلى رغم أن اليابان تمتلك ثاني أكبر أسطول بحري في العالم من حيث الحمولة، يضاهي في ذلك الأسطول البريطاني، إلا أن المادة التاسعة من الدستور الياباني والتفسيرات المصاحبة له، تمنع اليابان من الاشتراك في أية عمليات عسكرية خارجية ما عدا تلك العمليات المتصلة بحفظ السلام. وعلى رغم ذلك فقد أرسلت اليابان سفينتين عسكريتين وعلى متنهما أربعمائة جندي للعمل في بحر العرب والمحيط الهندي. وهي بصدد إنشاء قاعدة بحرية صغيرة لها في جيبوتي بتكلفة تبلغ أربعين مليون دولار. ويسعى بعض المشرّعين اليابانيين إلى استصدار تفسيرات قانونية جديدة تسمح لبحريتها بعمليات حماية عسكرية أكبر لسفنها التجارية في المناطق الساخنة من العالم. ويحاول اليابانيون زيادة علاقاتهم الثقافية مع العالم العربي خاصة مع المملكة العربية السعودية ومصر. ويشمل هذا التعاون تبادل الخبرات في تدريس المراحل التعليمية الأولى، والتدريب الفني والمهني، وإرسال بعثات للدراسات العليا في الجامعات اليابانية. كما تقوم وكالة التعاون الخارجي اليابانية بتقديم المال والعون الفني للسلطة الوطنية الفلسطينية في كل من الضفة الغربية و قطاع غزة، على رغم الصعوبات والضغوط التي تضعها إسرائيل أمام تنفيذ وتسيير مثل هذه المعونات. كما يقدم برنامج المعونات الياباني دورات تدريبية لبعض عمال ميناء البصرة العراقي بغرض رفع كفاءتهم في مجال الصيانة والتحميل، وغيرها من العمليات البحرية. ولا يخفي اليابانيون اهتمامهم بالعراق حيث يعولون على الحصول على قطعة من عقود الامتياز النفطية المستقبلية فيه، بعد أن فقدوا آخر عقد امتياز في المنطقة المحايدة (المقسومة) السعودية الكويتية في عام 2000. ويبدي اليابانيون امتعاضهم الشديد من الضغوط الأميركية عليهم وعلى دول الاتحاد الأوروبي بغرض فرض مقاطعة اقتصادية بحق بعض الشركات والبنوك المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني. حيث أثرت هذه المقاطعة على قدرة الشركات اليابانية والألمانية وأفقدتها مكانتها في السوق الإيراني، وبدأت تحل محلها بعض الشركات والبنوك الروسية والصينية. وقد رضخت اليابان ودول الاتحاد الأوروبي لتلك الضغوط وأصدرت هذا الصيف عدداً من القوانين الصارمة بحق الاستثمار في مجال النفط الإيراني، وكذلك المتاجرة وتأمين مشتريات بعض الشركات المرتبطة ببرنامج إيران النووي والصاروخي. وقد شلّت هذه الإجراءات عمل بعض البنوك الإيرانية في اليابان. وعلى رغم الضغوط المختلفة على الاقتصاد الياباني، إلا أن مستوى النمو الاقتصادي قد بلغ مؤخراً 3,9% في السنة، كما أن نسبة البطالة لا تتعدى 5,1%. ويأمل اليابانيون في تشجيع الشركات المتوسطة والصغيرة على زيادة استثماراتها ومبيعاتها في منطقة الخليج العربي وأفريقيا. وستشهد المرحلة المقبلة تنافساً بين العمالقة الاقتصاديين، خاصة بين الصين واليابان. كما ستشهد حرباً للعملات، وتشبه هذه المرحلة فترة الثلاثينيات حيث حاولت كل دولة ذات مطامح تجارية حل معضلاتها الاقتصادية على حساب منافسيها التجاريين. إلا أن قوة اقتصاد اليابان وتقنيتها المتطورة قد يمثلان جواز مرور لها لتجاوز أزمتها الاقتصادية، حيث ستسمح مثل هذه التقنيات للشركات اليابانية أن تفرض جودتها على الأسواق العالمية منها والناشئة، طالما بقيت أسعار صرف العملات ضمن نطاق تذبذب مقبول.