أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مؤخراً أن التعددية الثقافية "ماتت". ليس لهذا التصريح أساس واقعي، لأن تعبير "التعددية الثقافية" لا يعني أكثر من التعايش القائم والعامل لثقافات مختلفة ضمن المجتمع، الأمر الذي يعني أن التعددية هي في الواقع مفهوم عالمي لا زمان له. وفي هذا العالم المعولم، يصبح هذا المفهوم ساري المفعول أكثر من أي وقت مضى، حيث لم يعد هناك أي شيء يشبه المجتمع أو الأمّة المتناغمة عرقياً. كانت كلماتها بشكل أساسي عبارة عن تنازل للجماهير المحافظة داخل حزبها. إضافة إلى ذلك فإن الأصوات المعادية للإسلام والهجرة آخذة في التزايد في أوساط الجمهور الألماني الناخب. وقد فتح "ثيلو سارازين"، السياسي السابق وعضو مجلس الإدارة في بنك دويتشة في كتابه "ألمانيا تستغني عن نفسها"، والذي نشر الصيف الماضي، فتح أبواب الطوفان للجدل العام حول التعددية الثقافية عندما ادعى أن النسبة المرتفعة للهجرة إلى ألمانيا تؤدي إلى انحطاط خطير في الحضارة والتحضّر، وبالتالي تفسد خزان الجينات الألمانية ذي النوعية العالية! من المستحيل إنكار أن الهجرة غير المسيطر عليها قد أوجدت مشاكل التكامل في أوروبا في الماضي. فألمانيا، وأوروبا بشكل عام، تعاني من مشاكل كبيرة وخطيرة في التكامل والانخراط. تقوم قطاعات كبيرة من المهاجرين على سبيل المثال بفصل نفسها عن التيار الرئيس في المجتمع، وتشعر أنها مستثناة في الكثير من الحالات نتيجة لعجزها الشديد في اللغة الألمانية. ونتيجة لهذه المشكلة اللغوية العويصة، لم يعد يستطيع الأساتذة في بعض المدارس تنظيم وإدارة صفوف منتظمة لأن التلاميذ لا يفهمون ما الذي يحاول الأستاذ إيصاله إليهم. كما أن هناك العديد من الرجال المهاجرين الذين يقيمون في ألمانيا، والذين يفصلون أنفسهم عن بقية المجتمع نتيجة لشعورهم بالعزلة ويصبحون أكثر انفتاحاً تجاه التفكير المتطرف، الأمر الذي ربما يفسّر فشل مخططات تفجير القطارات عام 2006 والتي قام بها لبنانيان كانا يقيمان في ألمانيا منذ عدة سنوات. وغني عن القول إن عدداً ضئيلاً جداً فقط من هؤلاء المهاجرين على استعداد للقيام بهذه الأعمال الإرهابية. إن هذا الجدل أمر مخجل، إذا ما اعتبرنا أن سبب صعود ألمانيا لتصبح واحدة من أغنى الدول يعود على أقل تقدير للمهاجرين الأتراك الذين عملوا بكدّ وتعب بعد أن أغواهم القدوم إلى هنا في ستينيات القرن الماضي. ما كان لألمانيا بدون هؤلاء أن تصبح الدولة الغنية كما أصبحت الآن. ويعي صانعو السياسة في برلين هذه القضايا، لكن أحداً ليس على استعداد لأن يدعي أن التعاون في مجتمع تعددي ممكن في غياب قيم أساسية تنطبق على الجميع. وتعلم المؤسسة السياسية أن مشاكل التكامل التي نواجهها اليوم يمكن أن نعزوها بشكل عام إلى مشكلة اجتماعية سياسية وليس مشكلة وراثية أو دينية. إلا أن الفرضيات المنافية للعقل التي يطرحها سارازين يمكن دحضها ببساطة وسرعة من خلال إلقاء نظرة سريعة عبر المحيط الأطلسي: ففي الولايات المتحدة، يتكامل المهاجرون المسلمون (ولد ثلثا المسلمين الأميركيين خارج الولايات المتحدة) بشكل كامل ويعتبرون ناجحين اقتصادياً بشكل أكبر مقارنة بمهاجرين من خلفيات أخرى هناك، حسب استطلاع أجرته مؤسسة بيو Pew عام 2007، كما أنهم يتمتعون بمستوى أعلى من التعليم. ومن العوامل الأخرى التي ربما أدت إلى تصريحات ميركل أن الأزمة الاقتصادية في ألمانيا، كما هو الحال في أوروبا كلها، ساعدت على انتشار جو من عدم الوضوح والشك. وفي زمن كهذا يصبح الناس على درجة من الغضب والعصبية، ويميل الناس العصبيون لأن يتصرفوا بعدوانية أكبر. إلا أن النظام الديمقراطي الأساسي ليس متأصلاً في الازدهار الاقتصادي وإنما في الأفكار: أفكار مثل الحقوق المتساوية وحريات الأديان. وقد فعلت الحكومة الألمانية تحت حكم ميركل الكثير لتشجيع هذه القيم. وخلال الفترة التشريعية الأخيرة على سبيل المثال، صرح وزير الداخلية "ولفغانغ شوبل" بشكل مؤكد أن الإسلام هو جزء من ألمانيا. كذلك عزز الرئيس الألماني الجديد "كريستيان وولف" هذه الرسالة في خطابه يوم 3 أكتوبر بمناسبة يوم الوحدة الألمانية في ذكرى توحيد ألمانيا عام 1990. إلا أن الانتقاد الذي حصده وولف بعد ذلك من حزبه والجمهور بشكل عام كان كبيراً، الأمر الذي يكشف منظوراً سائداً بأنه كان يعمل على إفشال القيم الثقافية الغربية. والعكس هو الصحيح في الواقع. فمن خلال هذه الرسالة، أكد وولف على أن المسيحيين الذين يقيمون في تركيا، مثلهم مثل المسلمين الذين يقيمون في ألمانيا، يملكون حق المعاملة المتساوية. وهؤلاء الذي يدعون أنه يتوجب على العالم الغربي الوقوف إلى جانب جذوره المسيحية وأن يحجبوا الاعتراف بالإسلام بشكل منهجي، هم في الواقع يعملون باتجاه إلغاء الديمقراطية والحرية الدينية. النتيجة هي لا، ليست التعددية الثقافية ميتة، لأن الدولة التي بنيت على القيم الديمقراطية الأساسية؛ مثل حرية العبادة، تثبت قوتها الحقيقية ليس من خلال الرفض وإنما من خلال تأكيد تنوعها الثقافي. وقد كان هذا هو الحال على الدوام في معظم أوروبا، ومنها ألمانيا، وسوف يبقى كذلك دائماً. لويس غروب صحفي ألماني مستقل ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند"