الخبر الذي تناولته وسائل الإعلام عن "اتهام أميركية بتجنيد إرهابيين"، فيه رسائل قوية إن ثبتت التهمة عبر القنوات القانونية المعروفة في مثل هذه الحوادث التي تصيب الإنسان العادي بالدهشة والمهتم بالحيرة. أين هو موضع الدين لدى امرأة قاربت الستين من العمر تريد الاستشهاد بأي دافع؟! من هنا يقع الفعل ذاته في خانة "الجريمة" بغض النظر عن البعد الديني للشخص حتى إن ادعى أن شيئاً في الدين يدفعه إلى فعل الإرهاب "المخزي" بكل درجاته أو صفاته. فكلما جردنا الإرهاب من لبوس الدين، كانت حجة المكافحين لأي عمل إرهابي وإن كان لفظيّاً، أقوى فيما لو دخل البعض إلى جدلية "الجهاد" الذي يجعل من ممارسة التطرف فرضاً على عين كل مسلم لمحاربة "العدو الافتراضي" عند كل أزمة تقع في الأمة وإن كانت بعيدة عن صراع الأديان ولا نقول "الحضارات" حتى لا يختلط هذا بذاك. ولو تتبعنا مسيرة الإرهاب وممارسيه عبر التاريخ "المعاصر"، ولو برر بدعوى تحرير الأوطان من الاستعمار والغزو الخارجي والاستقلال وإعادة الكرامة إلى الأمة العربية والإسلامية، فلا نجد بعد كل عملية إرهابية إلا مزيداً من "الخزي" الذي يطارد المسلمين حتى في أدق تفاصيل حياتهم التي كانت طبيعية خاصة في المجتمعات المتقدمة، إلا أنها اليوم أصبحت تعد من توابع الإرهاب وعملياته، بل قد يذهب البعض إلى جعله جزءاً من الأدلة والبراهين الساطعة على حدوثه وبلا مبرر أحياناً. بالعودة إلي حركات التحرر في العالم العربي التي مارست كل العمليات القتالية التي تصنف الآن تحت مسمى "الإرهاب" وكان على رأسها "منظمة التحرير الفلسطينية" التي لم تستعد شبراً واحداً من فلسطين إلا بعد الموافقة على الجلوس مع إسرائيل عدو الأمة الأول. وبعد ذلك توالت منظمات وحركات وتنظيمات مختلفة جعلت من "الإرهاب" الوسيلة الوحيدة لاسترجاع "الحقوق" المزعومة أو المسلوبة. ففي أيرلندا بأوروبا الذراع المسلح لـ"الشين فين" لم يستطع الوصول إلى مبتغاه إلا بعد الجلوس مع أطراف النزاع ودخول كلينتون أميركا عاملاً حاسماً في الوصول إلى اتفاقية السلام. وحركة التمرد التاميلية في سيريلانكا لم تصل إلى مبتغاها إلا بالحسم العسكري من قبل الدولة والتخلص منها بالقوة. وفي جنوب الفلبين حركات مسلحة في "مندناو" بالذات تسعى إلى الاستقلال الذاتي منذ عقود إلا أنها تراوح مكانها لأنها لم تفكر إلا في النصف المسلح من العقل، وستبقى هكذا حتى ساعة الحسم، دون أن تحقق ما تريد في معركة الإرهاب التي تدار من خارج نطاق العقل والحكمة والسياسة المطلوبة. ولو انتقلنا مباشرة إلى حصيلة تلك العمليات الإرهابية في أفغانستان وباكستان والهند والصومال والجزائر واليمن والسعودية وغيرها من البلدان، فإننا لا نجد أي ثمرة يمكن الاتكاء عليها لما بعد الإرهاب، فلم تحرر فلسطين الشماعة التي يتكئ عليها دعاة الإرهاب باسم الإسلام البريء منه، لأن الوسيلة خائبة لآمال الشعوب التي يزعمون أنها تريد الاستقلال من الاستعمار المباشر وغير المباشر. فلو قبلنا فرضية أن معظم الأنظمة في العالم الثالث لا تلبي طموحات شعوبها نحو الوصول إلى استقلالية الذات من التبعية، فهل البديل "الإرهابي" هو الحل لتلك المشكلة السياسية؟ ألا يمكن الوصول إلى منطقة غير رمادية عبر كلمة سواء فيما بيننا أولاً ومن ثم بيننا وبين الآخرين المصنفين لدى الإرهابيين بالأعداء الألداء، من أجل الحفاظ على أقل المكتسبات بدل الولوج إلى دائرة الإرهاب والإرهاب المضاد في عملية هوائية مفرغة لا تنتج إلا مزيداً من الضغط ومن ثم الانفجار ولا غير.