لاشك أن نجاح المرشح في الانتخابات الرئاسية الأميركية أمر صعب؛ والأصعب منه أن يعاد انتخابه؛ أما أن يعاد انتخابه عندما يكون الاقتصاد متباطئاً، فذاك أمر يكاد يكون مستحيلاً. وقد سبق لرئيس واحد فقط في التاريخ الأميركي أن فاز بولاية ثانية عندما كان الاقتصاد في حالة متردية هو: فرانكلين روزفلت في 1936. وقد يبدو هذا التذكير فأل نحس بالنسبة لأوباما في وقت يتطلع فيه إلى انتخابات 2012 عبر أفق اقتصادي ملبد بالغيوم؛ ولكن استثناء روزفلت من تلك القاعدة التاريخية ربما يترك هامش أمل لأوباما وأنصاره. إذ على رغم معدل بطالة يتجاوز 15 في المئة، إلا أن روزفلت فاز بـ61 في المئة من التصويت الشعبي وألحق هزيمة نكراء بالمرشح الجمهوري "آلف لندن" من كنساس بأكبر هامش في الكلية الانتخابية في التاريخ الأميركي: 523 مقابل 8. وبالطبع كان روزفلت يحمل بعض الأوراق القوية، التي لا يتمتع بها كلها أوباما اليوم. أولاً، كان حزبه يتوفر على أغلبيتين كبيرتين في كلا مجلسي الكونجرس طيلة ولايته الأولى؛ حيث كان الديمقراطيون يفوقون الجمهوريين عدداً بأكثر من اثنين لواحد في مجلس النواب بعد انتخابات 1932، وبأقل من ذلك بقليل في مجلس الشيوخ. كما عززوا أغلبيتهم في المجلسين في انتخابات 1934 النصفية. وبالطبع، لم يكن كل ديمقراطي يدعم كل شيء كان يفعله روزفلت، ولاسيما المحافظون الجنوبيون الذين كانوا يكرهون بعض جوانب سياسات "الصفقة الجديدة" التي كان يتحدث عنها، ولكن عندما كان روزفلت يطلب شيئاً من الكونجرس، كان يحصل عليه عادة. ونتيجة لذلك، كان رصيد الإنجازات الذي أخذه روزفلت إلى حملة 1936 مذهلاً، ومثيراً للجدل في آن واحد. فبحلول ذلك الوقت، كانت "الصفقة الجديدة" قد أعادت هيكلة قطاع البنوك في أميركا، وأصلحت القطاع الزراعي، ووسعت برامج مساعدة العاطلين وبرامج الوظائف، ونسجت شبكة أمان اجتماعي للأميركيين العاديين. وفي المقابل، يبدو سجل أوباما أقل إبهاراً، ويعزى ذلك بالأساس إلى حقيقة أن الأغلبيتين الديمقراطيتين كانتا أصغر حجماً، ما جعل الرئيس في البداية يأخذ في عين الاعتبار اعتراضات الجمهوريين على إصلاحات أساسية مثل إصلاح النظام الصحي، ومكَّن الحزب الجمهوري من عرقلته بخصوص الطاقة والبيئة. ثم زادت انتخابات الثلاثاء، التي منحت الجمهوريين السيطرة على مجلس النواب، الأمور صعوبةً بالنسبة لأوباما، الذي سيجد نفسه في وضع مختلف جدّاً خلال بقية ولايته مقارنة مع روزفلت الولاية الأولى: حيث سيواجه بمعارضة الكونجرس، بدلًا من أن يكون متحكماً فيه. ثانياً، أظهر انتصار روزفلت في 1936 أسلوباً سياسيّاً مختلفاً عن أسلوب أوباما؛ ذلك أن روزفلت كان يلاكم خصومه بقبضتين مجردتين من القفازات منذ ولايته الأولى. وعلى رغم أن الكثيرين ما زالوا يتذكرون تطمينات خطاب تنصيبه المهدئة في 1932 من أن "الشيء الوحيد الذي علينا أن نخافه هو الخوف نفسه"، فإن معاصري روزفلت ركزوا على النبرة النارية لبقية الخطاب، والذي حمَّل فيه الرئيس الجديد حينها "وول ستريت" ورعاتها الجمهوريين مسؤولية "الركود الكبير". وقد واصل روزفلت الهجوم طيلة ولايته الأولى، وفي حملة 1936 ضرب بقوة أكبر من أي وقت مضى، فلام "الملكيين الاقتصاديين" الذين أرادوا إعادة نظام الثروة والسلطة القديم. وقال إن أتباعهم استهدفوه بسمهم: "لم يسبق أبداً في كل تاريخنا أن كانت هذه القوى موحدة جداً ضد أحد المرشحين مثلما هي اليوم. إنهم مجمعون على كرهي". والواقع أن العديد من أنصار أوباما يتمنون أن يحاكي شراسة وقتالية روزفلت ويعبرون عن أسفهم لجهوده بخصوص تحقيق التعاون والوئام بين الحزبين، والتي لم تسفر عن شيء، كما يقولون، وكلفتهم زخم 2008 السياسي؛ غير أن أوباما يتجاهل مثل هذه النصيحة عموماً. ويعزى بعض هذا الاختلاف إلى اختلاف الأمزجة والأساليب الشخصية؛ إذ بينما كان روزفلت "يستمتع " بإظهار غضبه علناً، فإن أوباما لا يحبذ ذلك على ما يبدو. غير أنه يعكس أيضاً وضع أوباما الأكثر هشاشة وتزعزعاً تجاه الكونجرس؛ ذلك أنه إذا كانت أغلبيتا روزفلت في الكونجرس قويتين إلى درجة أنه كان يملك ترف صنع أعداء من خصومه السياسيين، فإن أوباما كان سيحقق أقل مما بلغه على طريق الإصلاح ربما لو بدأ بمعاملة جمهوريي الكونجرس كأعداء. بيد أن الأساليب السياسية يمكن أن تتغير. فأمام سيطرة للجمهوريين على مجلس النواب وجهر العديد منهم بعزمهم وتصميمهم على الإطاحة به، فإن أوباما قد لا يجد خياراً غير خلع قفازاته. وقد أثبت أوباما عموماً أنه بارع ومتفوق في خوض الحملات الانتخابية، ومن المرجح جداً أن يُظهر الموهبة والبراعة نفسيهما، بعد أن يعدِّلهما وفق ظروف جديدة في 2012. وقد أظهر الاقتصاد بعض المؤشرات الإيجابية خلال العام الماضي، وإذا ازدادت سرعة التحسن حتى 2012، فإن أوباما سيستطيع استعمال الفكرة نفسها التي استعملها روزفلت في 1936: إننا لم نصل بعد إلى حيث نريد أن نكون، ولكننا بدأنا نقترب. عندما وصل أوباما إلى البيت الأبيض، كان كثيرون يشبِّهونه بروزفلت؛ غير أن التشبيهات، والتوقعات التي تنطوي عليها، كان فيها كثير من المبالغة في بعض الأحيان. والواقع أن ثمة خطراً مماثلاً اليوم للمبالغة بشأن احتمال فوز على نموذج انتصار 1936 بالنسبة لأوباما في 2012. ولكل الأسباب القائمة، فإن انتصاراً من ذلك الحجم ليس وارداً، غير أن إعادة انتخابه ربما تكون كذلك. إتش. دبليو. براندز مؤرخ وأكاديمي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"