من المحتم أن يؤدي التوقع السائد على نطاق واسع، سواء في المنطقة أو غيرها، بأن إيران ستتمكن في نهاية المطاف من تطوير أسلحة نووية، إلى تدشين جولة جديدة من جولات الانتشار النووي من الممكن أن تشمل مشروعات لتطوير أسلحة نووية من قبل دول مثل مصر، وتركيا، وغيرهما. وسوف يضيف هذا للترسانات النووية الموجودة بالفعل في المنطقة، والتي تشمل إسرائيل -ذات القدرات النووية الرهيبةـ والهند وباكستان أيضاً إذا ما تم التوسع في تعريف المنطقة. وتدور في الوقت الراهن مناقشات محتدمة حول الطريقة المثلى لمعالجة هذه المشكلة والتي يمكن أن تشمل بدائل من بينها العقوبات الاقتصادية، والاشتباك الدبلوماسي، واستخدام القوة العسكرية. وهذه البدائل تمثل مكونات أساسية لأجندات يدعو إليها البعض للتعامل مع المشكلة النووية الإيرانية. لكن التوقع السائد مع ذلك هو أن المخاوف المتعلقة بالطموح النووي لتلك الدولة سوف تظل قائمة. وأكثر ردود الفعل قوة تجاه ذلك الطموح تأتي عادة من طرف إسرائيل، والتي كرر بعض أركان النظام الإيراني دعواتهم لتدميرها. وينبغي هنا توضيح أن إسرائيل تمثل قوة نووية ذات قدرات على الردع والانتقام تفوق أي تهديد يمكن أن تشكله إيران في أي إطار زمني معقول. لذلك فإننا، عندما نتطرق لتقييم الطريقة التي يمكن أن تستجيب بها إسرائيل للبرنامج الإيراني، فإن من الضروري بالنسبة لنا أن ننبه ليس فقط لأهمية فحص ردود الفعل الدفاعية أو الاستباقية التي يمكن لإسرائيل اتخاذها، وإنما أيضاً لأهمية معرفة الكيفية التي يمكن بها للبرنامج النووي الإيراني أن يؤثر في تفكير إسرائيل حول استراتيجيتها النووية التي خضعت حتى الآن لتكتم شديد من جانب تل أبيب في إطار ما عرف بسياسة "عدم الإفصاح" عن القدرات النووية. وهذه السياسة غير الشفافة قامت على افتراض مؤداه أنه إذا ما تبنت إسرائيل نهجاً يقوم على الوضوح بشأن قدراتها النووية، فإن ذلك سوف يؤدي إلى تحفيز ردود فعل سلبية للغاية من جانب الدول العربية المجاورة وعلى وجه الخصوص مصر. مع ذلك هناك كم متزايد من الكتابات التي ظهرت، ولا تزال تظهر، حول الحكمة من اتباع هذه السياسة غير الشفافة، منها كتابات يرى أصحابها أن الوقت قد حان كي تبدأ إسرائيل في اتباع سياسة أكثر علانية بشأن برنامجها وقدراتها النووية. وإذا نظرنا للموضوع من جانب مصر وتركيا على سبيل المثال، فإننا سنجد أن هناك حسابات أخرى تحكم تصرفات ذينك البلدين في هذا المجال. فالسياسة التركية أصبحت أكثر انطلاقاً وثقة بالنفس كنتيجة لتزايد وزنها الإقليمي، وبالتالي فإنه إذا ما تم، لأي سبب من الأسباب، رفض الطلب التركي الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي، فإن تركيا يمكن أن تتحول للقيام بدور ينطلق من رؤية قومية تركية تركز على تحقيق مصالحها الوطنية في الشرق الأوسط. وينبغي الإشارة في هذا الصدد إلى أن تركيا كانت واضحة تمام الوضوح في إعلانها تأييدها لحق إيران في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية، لكنها حرصت في نفس الوقت على التأكيد بأن ذلك يجب أن يتم وفق المعايير ذات الصلة الواردة في مواثيق الأمم المتحدة وعلى وجه الخصوص اتفاقية معاهدة الانتشار النووي. كما دعمت تركيا أيضاً خيار التوصل لحل سلمي لموضوع النزاع حول البرنامج النووي الإيراني واتهمت الغرب بسوء معاملة إيران. كما اقترحت في مايو 2010، بالمشاركة مع البرازيل، توقيع اتفاقية يمكن بموجبها شحن نصف كمية اليورانيوم المخصب في إيران إلى تركيا. وعلى الرغم من ذلك فإن إيران لو اختارت أن تمضي قدماً في تصنيع قنبلتها، بصرف النظر عن معارضة المجتمع الدولي، فإن ذلك سوف يولد ضغطاً متزايداً داخل المؤسسة الأمنية التركية قد يدفع الحزب الحاكم للمضي نحو خيار السعي لامتلاك قدرات نووية. والحالة المصرية في المجال النووي فريدة من نوعها، ليس فقط بسبب التزام القاهرة الدائم ببنود معاهدة حظر الانتشار النووي، ومعاهدة السلام الموقعة مع إسرائيل، وإنما للغضب الدائم الذي تبديه نحو البرنامج النووي لإسرائيل والذي ينبع من حقيقة أنها لن تقبل أن تظل إسرائيل في وضع تفوق عسكري إقليمي دائم. يعني ذلك بشكل يكاد يكون مؤكداً أنه إذا ما انهار نظام حظر الانتشار النووي في المنطقة -وهو ما سيحدث إذا ما اجتازت إيران العتبة النووية- فإن مصر سوف تعيد النظر في التزامها ببنود اتفاقية حظر الانتشار. ويشار إلى أن مصر تعتقد أن أفضل طريقة لحل المشكلة النووية الإيرانية هي إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط تشمل إسرائيل. ويأمل المصريون من خلال إقامة هذه المنطقة أن يتم بموجبها تفكيك القدرات النووية لكل من إسرائيل وإيران على حد سواء، مما يجنبها هي الانخراط في تسابق معهما. لكن، ونظراً لأنه من غير المرجح أن يحدث أمر مثل هذا في غيبة اختراق دراماتيكي على جبهة السلام العربي الإسرائيلي، فإن استمرار البرنامج الإيراني وإجراء محادثات أكثر صراحة حول قدرات إسرائيل النووية، سوف لن يؤدي سوى إلى إعادة إحياء الجدل في مصر حول التزاماتها المتعلقة بعدم الانتشار. ومن ناحية أخرى، يُرجح أن يؤدي استمرار البرنامج النووي الإيراني، إلى إقدام بعض دول المنطقة إلى اتخاذ ترتيبات مختلفة لتعزيز دفاعاتها من خلال التعاون مع الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة. ويمكن لإيران أن تتجنب كافة التداعيات التي قد تترتب عليها جراء ذلك كله إذا ما التزمت بالتعاون مع المجتمع الدولي، أما إذا ما صممت على المضي قدماً في تنفيذ ما تطمح إليه فإن البيئة الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط برمتها سوف تشهد تغييرات جذرية مما يجعل منها منطقة أكثر خطورة بكثير مما هي عليه الآن، أو مما كانت عليه في أي وقت في الماضي.