تعرف تلك المنطقة الجغرافية الممتدة بين البحر الأسود وبحر قزوين بجمالها الطبيعي، وخصوبة أراضيها، وتضاريسها الجبلية. لكنها تعرف كذلك بكونها الميدان الذي دارت فيه أطول الحروب وأكثرها تكراراً، وآخرها الحرب بين روسيا وجورجيا في أغسطس 2008. لكن، وكما لاحظ توماس دو وال، مؤلف الكتاب الذي نعرض هنا، "القوقاز... مقدمة تعريفية"، فإن الحروب التي تدور في هذه المنطقة، لها صلة بالماضي بقدر ما هي متصلة بالحاضر أيضاً. وحسب رأيه فلا سبيل لفهم صراعات المنطقة دون معرفة تاريخها. ويعد مؤلف الكتاب، الذي عمل صحفياً في السابق، ثم باحثاً بمؤسسة كارنيجي الوقفية للسلام. وقد كانت منطقة القوقاز موضوعاً لكتابين سابقين أصدرهما عنها. لكن المؤسف أن كتابه هذا لم يشمل جمهورية الشيشان ولا منطقة شمال القوقاز، رغم أن كلتيهما تعدان الأخطر أمنياً في روسيا اليوم. وليس صحيحاً القول إن منطقة القوقاز لا شيء بها غير النزاعات والحروب. فهي تتباهى بأنها الأثرى لغوياً في العالم. وفي عام 1900 كانت أذربيجان، الدولة الأعلى إنتاجاً للنفط عالمياً. لكن القصة الحقيقية للقوقاز تبدأ عقب الثورة الروسية عام 1917، حيث تمتعت الجمهوريات القوقازية الثلاث بفترة قصيرة من الاستقلال عن روسيا. ومع الأخذ في الاعتبار آخر الصراعات التي شهدتها القوقاز، ربما يكون مثيراً لاهتمام الكثيرين معرفة أن جورجيا المنشفية -نسبةً إلى جناح الثوريين المناشفة، المنشقين عن الحزب البلشفي الرئيسي الذي قاد الثورة-كانت قد شنت حرباً ضروساً لإخضاع إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية لنفوذها في عام 1918. لكن أخيراً تمكن الجيش الثوري الأحمر من فرض سيطرته على المقاتلين المنشقين في الجمهوريات الثلاث، لضمهما للاتحاد السوفييتي. وعقب انهيار الأخير تجدد النزاع بسبب تصاعد النزعة الانفصالية للإقليمين. وكما نعلم فقد كانت حرب عام 2008 بين روسيا وجورجيا امتداداً لذات النزاع القديم بينهما. وكما يشير التاريخ السوفييتي للمنطقة، فإن كون ستالين جورجي الأصل والمنشأ، لم يحم المنطقة من وحشية الرجل وقبضته الحديدية. وإن كان ثمة عنصر إيجابي في ذلك التاريخ، فلعله نجاتها من ويلات الحرب العالمية الثانية التي شملت الجزء الأكبر من الأراضي الروسية. ومما يثير الاهتمام أيضاً، أن لوزراء الخارجية الروس الثلاثة الأخيرين، علاقة ما بالعاصمة الجورجية تبليسي، فوالدة لافروف مثلا أرمينية من تبليسي. وللأسف فإن هذه العلاقات القوية بين وزراء خارجية موسكو وتبليسي، لم تحم هي الأخرى جورجيا من تحرشات روسيا المستمرة بها. إن معظم النزاعات الحالية في المنطقة تعود إلى انهيار الاتحاد السوفييتي في بداية التسعينيات. فقد تأججت حينها نيران النزعة الوطنية الانفصالية فكانت سبباً لاندلاع الحروب داخل جورجيا، ثم بين أرمينيا وأذربيجان. وإلى تلك الحروب يعود ما يعرف اليوم بـ"النزاعات الهامدة" في كل من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وإقليم ناجورنو-كرباخ. وعلى أية حال، فقد أصاب المؤلف في انتقاده وتحاشيه لاستخدام مصطلح "النزاعات الهامدة"، آخذاً في الاعتبار كثرة الجنود الذين قتلوا في النزاعات المتجددة إقليم ناجورنو-كرباخ. كما أن الاجتياح الروسي لجورجيا عام 2008، يبرهن على السرعة التي يمكن أن يتحول بها "النزاع الهامد" إلى حرب مستعرة في طرفة عين. ولعل من أهم الاستنتاجات في الكتاب، إهمال الغرب المستمر لمنطقة القوقاز. ففي التسعينيات وافق الغرب على انفراد روسيا بالإشراف على عمليات وقف إطلاق النيران في المناطق المتنازع عليها، وكذلك توفير قوات حفظ السلام من جانبها وحدها، رغم أن موسكو ليست طرفاً محايداً، وأن لها أطماعاً مكشوفة في الأقاليم والمناطق المتنازع عليها. صحيح أن الغرب انتقد الاجتياح الروسي الأخير لجورجيا، غير أن لموسكو وجوداً عسكرياً كثيفاً في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية منذ التسعينيات وإلى اليوم بموافقة الغرب ومباركته. يندرج تحت هذا الإهمال، عجز أي من الجمهوريات المستقلة عن الانضمام إلى عضوية "الناتو"، ناهيك عن خيبة طموحاتها في الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي. عبدالجبار عبدالله الكتاب: القوقاز... مقدمة تعريفية المؤلف: توماس دو وال الناشر: مطبعة جامعة أوكسفورد تاريخ النشر: 2010