لقد كانت السياسات الخارجية العنصر الوحيد الذي غاب عن انتخابات الكونجرس النصفية التي جرت يوم الثلاثاء قبل الماضي. وكانت هذه الحملة طويلة، مدوية واستقطابية إلى أبعد الحدود. غير أن الحربين اللتين تخوضهما الولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان، وكذلك عمليات قصفها الجوي لمناطق في باكستان واليمن لم يكن لها وجود يذكر في هذه الحملة الانتخابية. وبالطبع فإن سبب غياب هذا العنصر هو انشغال الناخبين بالاقتصاد والمشاكل المالية. ولكن هناك سبباً آخر يتلخص في كون السياسات الخارجية موضوعاً للتعاون الثنائي الحزبي في واشنطن إلى حد ما. ولذلك فهي واحة للهدوء مقارنة بجبهات المعارك الأخرى في مجالي السياسة الاقتصادية والرعاية الصحية. غير أن هذه الواحة نفسها في طريقها إلى الزوال، فكلما اقترب موعد انطلاق حملة السباق الرئاسي لعام 2012 يتوقع أن تزداد حدة الانتقادات الموجهة من قبل مرشحي الحزب "الجمهوري" المحتملين -بمن فيهم سارة بالين ومت رومني- إلى سياسات أوباما الخارجية. وفي الوقت الحالي، فإن الضحايا الرئيسيين من أعضاء الكونجرس في الانتخابات الأخيرة هم "الديمقراطيون" الوسطيون. أما حولهم فليس سوى الاستقطاب السياسي الحاد والتناحر الحزبي بين الليبراليين والمحافظين المتشددين. وبذلك يجد أوباما نفسه في موقع وسط، ربما يكون لصالحه في نهاية الأمر. ولكن لم يبق للرئيس ما يفعله كثيراً لتحسين الأداء الاقتصادي وتسريع تعافيه من تأثيرات الأزمة الأخيرة التي مر بها. كما لم يجد وسيلة لتوسيع شعبية قانون الرعاية الصحية الذي شرعه. ولكن لا تزال أمام أوباما فرصة كبيرة لتحقيق إنجازات في مجال السياسة الخارجية. ففي هذه الأخيرة بالذات -خلافاً لما هو عليه حال السياسة الداخلية- يمكن للرئيس أن يخطو ويبادر أولاً ثم يخشى عواقب ردة فعل الكونجرس فيما بعد. ولا شك أن أفغانستان ستظل تمثل البند الرئيسي في هذه السياسات. فهناك رفع أوباما عدد الجنود إلى ما يتجاوز الضعف، لكنه حدد أهدافاً يتم بموجبها الخفض التدريجي لعدد القوات المنتشرة هناك ابتداءً من شهر يوليو من العام المقبل. وبينما رحب صقور "الجمهوريين" من أمثال السيناتور جون ماكين بزيادة عدد القوات، في حين انتقدوا الجدول الزمني المحدد للانسحاب، يلاحظ أن حمائم الليبراليين -ومن بينهم السيناتور راسل دي فاينجولد، الذي خسر حملة إعادة انتخابه يوم الثلاثاء الماضي- قد رحبوا بخطة الانسحاب التدريجي، بينما كانوا قد انتقدوا بشدة زيادة عدد القوات في أفغانستان. يذكر أن أوباما قد أكد عزمه على خفض عدد القوات الأميركية هناك. وحتى إن لم يكن هذا القرار ما أراده فعلاً بادئ ذي بدء، فلم يعد له خيار لأنه يواجه ضغوطاً متزايدة عليه من داخل حزبه تطالبه ببدء خفض عدد القوات بأسرع ما يمكن. وربما يكون الخطر الأكثر مباشرة وتأثيراً سلبياً على إعادة انتخاب أوباما للمنصب الرئاسي في عام 2012، هو منافسته من قبل شخصية يسارية بارزة مثل السيناتور فاينجولد، ولا شك أن الرئيس يحاول تفادي ذلك بقدر ما يستطيع. وبالمقارنة فربما يستفيد أوباما كثيراً من انتقادات "اليمين المحافظ" له. ذلك أن شعبية الحرب الأفغانية قد تراجعت كثيراً لدى الأميركيين. وهذا ما يعطي أوباما فرصة لاستثمار موقف "الجمهوريين" و"المحافظين" المؤيد للحرب، فيصفهم بأنهم صقور ودعاة لاستمرار حرب واسعة، استنزافية وباهظة التكلفة من الناحيتين المادية والبشرية على حد سواء. غير أن هناك قضايا سياسات خارجية أخرى، تختبر مصداقية أوباما وقدرته على قيادة بلاده في هذا المجال. ففيما يتعلق بإيران، تمسك أوباما بوعد انتخابي كان قد قطعه على نفسه بالتفاوض والانخراط الدبلوماسي مع طهران بشأن برنامجها النووي. وعلى رغم أن هذا الموقف أثار سخط خصومه "الجمهوريين" وانتقاداتهم له، فإن الحصيلة العملية لتلك التعهدات هي تشديد العقوبات الاقتصادية المفروضة أصلاً على إيران، وبذلك فقد تراجعت انتقادات اليمين له، باستثناء قلة من غلاة الصقور "الجمهوريين"، الذين يفضلون توجيه ضربة استباقية لإيران. وتشير معظم التقديرات إلى أن طهران لا تزال على بعد عامين على الأقل من تطوير قنبلتها النووية. وفيما ثقلت عليها وطأة العقوبات الاقتصادية فقررت التوصل إلى صفقة ما مع واشنطن، فإن خطوة كهذه سوف تضع أوباما تحت رقابة مشددة من قبل "المحافظين" و"الجمهوريين"، الذين يريدون فرض إرادتهم على أي تنازلات وشروط تتم بموجبها تلك الصفقة مع طهران. لكن وفيما لو تمكنت إيران من صنع قنبلتها النووية قبل انتخابات عام 2012-وهو احتمال يستبعد جداً ترجيحه- فإن ذلك سوف يكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر بعير أوباما الرئاسي. وعندها سيحكم الناخبون على أدائه إزاء طهران بالضعف والفشل الذريع. أما في عملية سلام الشرق الأوسط المتعثرة، فقد نجح أوباما في إعادة الطرفين المتنازعين إلى طاولة المفاوضات. غير أن ما تحقق حتى الآن، لا يبدو أنه يساعد أو يضر كثيراً بحملة إعادة انتخابه للرئاسة في عام 2012. ذلك أن محاولة فرض نفوذه على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كانت بمثابة اختبار لحدود القوة الأميركية، وليس احتمالاً وأفقاً لفرض النفوذ الأميركي. وفيما لو كان أوباما لا يزال محافظاً على شعبيته العالية التي صعد بها إلى سدة البيت الأبيض إلى اليوم، فربما يرى أن هناك ما يبرر استثمار المزيد من الجهد والوقت في دفع عملية سلام الشرق الأوسط. لكن ومع تزايد المحن والكوارث الداخلية على إدارته، ما يعني تزايد ضعفه السياسي داخلياً، فإن من الخطر والخطأ الفادح الاستمرار في الدفع بالنشاط الخارجي. وعلى إثر التغيير الذي طرأ على تركيبة الكونجرس بعد انتخابات نوفمبر النصفية، فليس مرجحاً تمرير معاهدة "ستارت" الجديدة المتعلقة بالتحكم بالأسلحة النووية، على نحو ما كان يأمل أوباما وحزبه الديمقراطي. وينطبق الأمر نفسه على آمال أوباما الهادفة إلى تشريع قانون للطاقة يتضمن نصوصاً وتدابير أساسية لمواجهة التغير المناخي. ولكن أن نذكر أن لأوباما فرصة كبيرة للصعود السياسي من بوابة السياسات الخارجية. فقد كانت معارضته للحرب على العراق عاملاً أساسياً في ترشيحه من قبل حزبه للمنصب الرئاسي في عام 2008. وعليه أن يستثمر فيها قبل عام 2012 بقدر ما يستطيع. دويل ماكمانوس محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"