تزداد مشاكل العالم النامي تعقيداً، وبالأخص البلدان الآسيوية والأفريقية ومن ضمنها البلدان العربية، حيث تزداد الفجوة اتساعاً بين الزيادة السكانية المرتفعة التي تسجل أعلى المعدلات في العالم وبين الموارد الطبيعية والزراعية المتناقصة. وفي السابق ألصقت مثل هذه المشاكل الخاصة بالفقر والتخلف بعوامل خارجية، إلا أن الظروف بينت أن أوضاع البلدان النامية أصبحت أسوأ بسبب سوء الإدارة وتبديد الموارد والزيادة السكانية المنفلتة. وإذا ما أخذنا مصر وإيران على سبيل المثال، فإننا سنجد أن عدد السكان ارتفع من 50 مليوناً في السبعينيات إلى أكثر من 70 مليوناً في الوقت الحاضر، أي بزيادة 40 في المئة، وهي نسبة كبيرة تشكل ضغطاً هائلاً على موارد البلدين، في حين لم يتغير عدد سكان بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، إلا بنسبة ضئيلة لا تتجاوز 3 في المئة خلال تلك الفترة، مع ارتفاع ملحوظ في حجم الثروة الذي أدى إلى تحسن مستويات الناس المعيشية في البلدان الأوروبية. والملاحظ أن الزيادة السكانية في البلدان النامية في آسيا وأفريقيا يقابلها تراجع في الإنتاج الزراعي ومصادر المياه والثروات الطبيعية، في الوقت الذي لا تشهد فيه هذه البلدان تنمية حقيقية للإنتاج الصناعي والقطاعات المرتبطة بالتقنيات الحديثة واقتصادات المعرفة. ولذلك تتعمق أزمات هذه المجتمعات وصراعاتها الاجتماعية وحروبها الناجمة عن محاولة الاستحواذ على أكبر حصة ممكنة من الموارد المشتركة المتاحة في ظل غياب الحلول الخاصة بمعالجة هذه القضايا الناجمة عن الزيادة السكانية وتخلف البنية التحتية. وتزامناً مع هذه الزيادة يلاحظ الارتفاع الكبير في الطلب على المواد الغذائية في البلدان النامية، مما يعمق الفجوة الغذائية لديها ويجعلها أكثر اعتماداً على الخارج في تلبية احتياجاتها الغذائية، ولذلك لا نستغرب إذا ما عرفنا أن مصر، هي أحد أكبر البلدان المستوردة للقمح في العالم، كما أن ارتفاع الطلب هذا يؤدي إلى زيادة أسعار السلع الغذائية في الأسواق العالمية. وبالإضافة إلى ذلك، هناك قضايا أخرى لا تقل خطورة تنجم عن الزيادة السكانية، كتلك المتمثلة في البطالة، حيث يحتاج العالم العربي وفق آخر البيانات إلى 6 ملايين فرصة عمل سنويّاً حتى عام 2020، أي 60 مليون فرصة عمل خلال العقد الحالي، وهو ما يمثل تحديّاً اقتصاديّاً واجتماعيّاً وإنسانيّاً. والحال أن ذلك يشير إلى وجود إشكالية حقيقية ستترتب عليها عواقب خطيرة في المستقبل، إذا لم تتخذ هذه البلدان إجراءات سريعة وفعالة لزيادة الوعي الاجتماعي بالضرر الذي تلحقه الزيادة السكانية بالموارد المتاحة وبالمستويات المعيشية، وذلك بسبب اتساع الفارق بين هذه الموارد وعدد السكان. وإلى جانب الوعي الاجتماعي، فإن هذا الأمر بحاجة إلى برامج لتنظيم الأسرة، وبالأخص في الريف، حيث تنتشر الأمية والجهل بوسائل تنظيم الحمل، مما يؤدي إلى الهجرة للمدينة، إذ بدأت العديد من المدن العربية تعاني من الانفجار السكاني والضغط على خدمات البنية التحتية التي أخذت تتدهور، مما حول الأحياء الفقيرة إلى بيئة خصبة للتطرف، كما هو الحال في اليمن. وفي هذا الخصوص يمكن الاستفادة من برامج تنظيم الأسرة التي اتبعت في بعض البلدان الناشئة التي سخرت ذلك لتحقيق معدلات نمو مرتفعة وأدت إلى تحسين مستويات المعيشة، كبرامج تنظيم الأسرة في الهند والصين التي حققت على مدى سنوات العقد الماضي واحداً من أعلى معدلات النمو في العالم. ومع أن محاولة معالجة هذه التحديات تأتي متأخرة، إلا أنها تبقى أفضل من تجاهلها والتغاضي عنها، فالوقت يمر سريعاً والموارد تنضب بصورة أسرع مما كان متوقعاً والحلول تنحسر، لتبقى الخيارات مفتوحة على كل الاحتمالات.