برلمان يخلو من تمثيل رسمي لجماعة "الإخوان المسلمين" التي قاطعت الانتخابات الأردنية في الأسبوع الماضي، ومعها حزب "جبهة العمل الإسلامي" المنبثق عنها. عضو واحد مجمدة عضويته في هذا الحزب دخل البرلمان الجديد بعد أن خرق وستة من زملائه قرار المقاطعة. هذا ما أسفرت عنه الانتخابات البرلمانية الأردنية التي أُجريت الأسبوع الماضي وقاطعتها جماعة "الإخوان" وحزبها الذي كان ممثلاً بستة مقاعد في البرلمان السابق المنتخب عام 2007. وقبل عشرة أيام فقط على هذه الانتخابات، كانت خسارة كبيرة لحقت بتيار "الإخوان المسلمين" في مجلس النواب البحريني. فقد أسفرت انتخابات هذا المجلس، بجولتيها اللتين أُجريتا في 23 و 30 أكتوبر الماضي، عن تراجع تمثيل جمعية "المنبر الوطني الإسلامي" التي تعبر عن هذا التيار من ثمانية مقاعد في البرلمان المنتخب عام 2006 إلى ثلاثة مقاعد فقط في البرلمان الجديد. وكان رئيس هذه الجمعية التي تعبر عن تيار "الإخوان" عبد اللطيف الشيخ أحد من خسروا مقاعدهم. ويبدو أن تراجع تمثيل "الإخوان المسلمين" في البرلمانات العربية لن يقتصر على ما حدث في البحرين والأردن خلال أقل من أسبوعين. فالمتوقع أن يمتد هذا التراجع إلى "الإخوان المسلمين" في مصر أيضاً بعد أيام عندما تجرى الانتخابات البرلمانية في 28 من الشهر الجاري، إذ تشير المعطيات إلى أنهم سيخسرون معظم المقاعد الثمانية والثمانين التي حصلوا عليها في انتخابات 2005 بنسبة 20 في المائة من إجمالي مقاعد البرلمان. وهي النسبة نفسها التي كان أقرانهم في البحرين قد فازوا بها في العام التالي (2006). وكانت هذه لحظة ذهبية بالنسبة لـ"الإخوان" في العالم العربي من حيث تمثيلهم البرلماني، إذ حققوا تقدماً كبيراً في بلدين عربيين. كما فازت حركة"حماس" المنبثقة عن هذا التيار بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني. غير أن هذا الزحف "الإخواني" إلى البرلمانات العربية لم يستمر. فقد مُني مرشحو "الإخوان" بنكسة في الانتخابات التشريعية الكويتية في مايو 2009، إذ تراجع تمثيل "الحركة الدستورية الإسلامية" التي تعبر عنهم إلى مقعدين فقط قبل عام ونيف على الهزيمة القاسية التي تلقاها أقرانهم في البحرين. وعندما أُجريت الانتخابات التشريعية الأردنية الأسبوع الماضي في غياب تيار "الإخوان" الذي يحظى بمشروعية مزدوجة عبر الوجود العلني لجماعته وحزبه معاً، كان مرشحو هذا التيار المحظورة جماعتهم والمحجوبة عنهم المشروعية في مصر يسبحون ضد تيار قوي في بداية الحملة الرسمية للانتخابات التشريعية التي ستُجرى بعد عشرة أيام. وإذا تناقص تمثيل تيار "الإخوان" في مجلس الشعب المصري أيضاً وفق التوقعات المرجحة، فهذا يعني أن تراجعه على المستوى البرلماني يمثل ظاهرة عربية عامة آخذة في الانتشار. أما إذا لقي "إخوان" مصر هزيمة قاسية بحجم تلك التي مُني بها أقرانهم في البحرين، فقد يكون هذا مؤشراً على مرحلة جزر برلماني مثلما كان فوزهم المدوَّي في انتخابات 2005 دالاً على مرحلة المد التي لم يطل أمدها. وتميل التوقعات في معظمها إلى ترجيح أن يكون تراجع تمثيل "الإخوان" في البرلمان المصري القادم كبيراً على نحو يجعله مؤشراً على مرحلة جزر برلماني عام قد لا يُستثنى منه إلا ما يعتبر استثنائياً بالفعل في تنظيمات هذا التيار في العالم العربي. فالتنظيمان "الإخوانيان" المرشحان للاستثناء في المدى القصير من حالة الجزر البرلماني العام، هما "حركة مجتمع السلم" (حمس) في الجزائر و"التجمع الوطني للإصلاح" في اليمن. فهذان التنظيمان استثناء من الموقع المألوف لتنظيمات "الإخوان" ضمن حركات المعارضة التي تتفاوت علاقاتها مع نظم الحكم والأحزاب الحاكمة في بلادها بين الخلاف والمواجهة والصدام. فقد أقام كل من "حركة مجتمع السلم" و"التجمع اليمني للإصلاح" علاقة إيجابية مع الحزبين الحاكمين في الجزائر واليمن. وأصبحت "حمس" الشريك الأصغر في الائتلاف الحكومي الثلاثي حالياً. ومازال "التجمع الوطني للإصلاح" محتفظاً بروابط معقولة مع "حزب المؤتمر الشعبي" الحاكم، رغم الشرخ الكبير الذي أصاب العلاقة بينهما في السنوات الأخيرة بسبب الخلاف على عدد من القضايا في مقدمتها قانون الانتخاب. غير أنه ما دام الاستثناء لا يبطل القاعدة، يظل المشهد العام لتيار "الإخوان المسلمين" في العالم العربي متراجعاً من حيث التمثيل البرلماني الذي كان قد حقق تقدماً كبيراً فيه. لكن هذا لا يؤثر بالضرورة على حضوره في مجتمعات البلاد التي يتراجع تمثيله البرلماني فيها. فما زال هذا التيار أقرب إلى حركة اجتماعية قاعدية بالمعنى التقليدي منه إلى حركة سياسية بالمعنى الحديث. لذلك ينبغي الحذر من الخلط بين تمثيله البرلماني وحضوره العام. فقد تغلغل هذا التيار في كثير من المجتمعات العربية اعتماداً على عمل اجتماعي قاعدي في المقام الأول. فليس عمله السياسي إلا رأس جبل الجليد الظاهر. أما الجبل نفسه فقد تكون عبر تراكم العمل في مجال الخدمة الاجتماعية المقترنة بالدعوة الدينية. لذلك قد يظل حضور هذا التيار قوياً في بعض البلاد العربية، خصوصاً تلك التي تعجز فيها الدولة عن تقديم الحد الأدنى اللازم من الرعاية الاجتماعية، أو لا تضع ذلك ضمن أولوياتها، إما لخطأ في السياسات يضعف أداءها ويحد من قدرتها على الإنجاز، أو لأن هذه السياسات منحازة إلى فئات اجتماعية معينة. ولهذا السبب ليس هناك ما يدفع إلى توقع نتائج متساوية ستترتب على تراجع تمثيل "الإخوان" البرلماني في بلاد عربية تختلف أوضاعها الاجتماعية. فقد يقترن هذا التراجع البرلماني بمثله على صعيد الحضور العام والتغلغل في المجتمع في البحرين، لكن ليس في مصر والأردن حيث يستمد تيار "الإخوان" نفوذه فيهما من دوره الاجتماعي وحاجة قطاع واسع من الجمهور إلى الخدمات وأوجه الرعاية التي يقدمها عبر مؤسساته الصحية والتعليمية وكوادره التي تعمل في الشارع. ولا يمكن إغفال قدرة تيار "الإخوان المسلمين" على استغلال مشاعر الغضب الشعبي المترتب على المظلمة الفلسطينية التي نقلت ثورة الاتصالات مظاهرها المؤلمة إلى داخل كل بيت، والسخط على السياسات الغربية إزاء القضايا العربية والإسلامية. وفي مثل هذه الظروف لا يقترن تراجع تمثيل "الإخوان" في البرلمان بانحسار وجوده على الأرض في كل الحالات. ومع ذلك، يظل لهذا التراجع الذي حدث في ثلاثة بلاد عربية خلال خمسة أسابيع فقط مغزاه بالنسبة إلى المشهد السياسي في هذه البلاد. وقد يكون لهذا التراجع أثره الأبعد فيها، خصوصاً في مصر والأردن، إذا أدى إلى تقدم أحزاب وتيارات أخرى وتنامي دورها على نحو يضع حداً للاستقطاب الحاد بين الحكم و"الإخوان" ويفتح الباب أمام إعادة تشكيل الخريطة السياسية بمنأى عن هذا الاستقطاب.