مهمة عراقية لم تكتمل... و"نذر حرب" في الأفق اللبناني نتائج جولة أوباما الآسيوية، ونذر الحرب في لبنان، والمهمة العراقية المستمرة، وإضرار قمة العشرين الأخيرة على الاقتصادات الأفريقية، قضايا نعرض لها ضمن لمحة سريعة من الصحافة البريطانية. جولة أوباما الآسيوية تناول مقال تحليلي نشر في العدد الأخير من مجلة "ذي إيكونومست" الجولة الآسيوية التي قام بها أوباما مؤخراً لأربع من دول القارة بالقول إن لكل رئيس أميركي جمهور معجبيه متى ما أطل عليهم في الشارع العام. ولكن لم يعد معروفاً بعد، ما إذا كان جمهور معجبي الرئيس هذه المرة هم مضيفوه الآسيويون -الذين يسعى لإقامة علاقات شراكة اقتصادية دبلوماسية قوية معهم-، أم هم جمهور الناخبين الأميركيين في الداخل، الذين وجهوا صفعة قوية لحزبه للتو في انتخابات الكونجرس النصفية، أم هم الصينيون الذين تنافسهم واشنطن بشكل أو بآخر على النفوذ في القارة الآسيوية؟ ولعله كان من حسن حظ أوباما أن أخذته هذه الجولة في زيارة لأربع من كبريات وأغنى الديمقراطيات الآسيوية: كوريا الجنوبية واليابان -حيث استضافت الأولى للتو مؤتمر قمة مجموعة الدول الـ20، بينما اختتمت في طوكيو أعمال مؤتمر قمة "أيبك" لمنتدى دول آسيا والمحيط الهادئ للتعاون الاقتصادي- ثم إندونيسيا وقبلها الهند ابتداءً. وإذا كان هدف أوباما الرئيسي من زيارته إلى الهند، السعي لإقناع ناخبيه في الداخل بجدوى إقامة شراكة أميركية قوية مع الهند، من ناحية توسيع سوق الصادرات الأميركية العالمية، ومن ناحية ما تفتحه السوق الهندية من فرص واسعة لإنشاء المزيد من الوظائف الجديدة للعمالة الأميركية، فإن الهدف الرئيسي من زيارته إلى كوريا الجنوبية هو إقناع قادة الدول الـ20 المؤتمرين في القمة الأخيرة، بأهمية نمو الاقتصاد الأميركي لنمو اقتصادات دولهم، فضلاً عن إبرام اتفاقية للتجارة الحرة بين بلاده وكوريا الجنوبية، لا يزال يأمل فيها رغم إخفاقه في تحقيقها قبيل القمة. أما في جاكرتا، فقد كان هدف الزيارة دبلوماسياً بالدرجة الأولى، قصد منه تجسير علاقات واشنطن بشعوب العالم الإسلامي. وكان الخطاب الذي ألقاه هناك، شبيهاً في محتواه بخطاب القاهرة التاريخي. بذلك نصل إلى اليابان، التي أراد فيها أوباما ترميم علاقات أميركا معها، بما يحفظ لواشنطن تحالفها الاستراتيجي مع طوكيو. وفي كل ذلك تطلّع لإقامة تحالفات إقليمية مع القوى الموازية للصين في المنطقة بالطبع. شبح الحرب اللبنانية نشرت صحيفة "ذي إندبندنت" الصادرة يوم الجمعة الماضي، مقالاً تحليلياً للكاتب المعروف "روبرت فيسك" قال فيه إن لبنان لا يزال أسيراً لحادثة مقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وإنه بات مهدداً بنذر حرب إما طائفية داخلية، أو خارجية تشنها عليه إسرائيل. ذلك أن الصراع الدائر بشأن تجريد "حزب الله" من أسلحته، وتقديم بعض كبار قادته أمام محكمة لاهاي -على خلفية اتهامات لها صلة بمصرع الحريري- إضافة إلى الصراعات الدائرة بين الساسة اللبنانيين حول ترتيبات الحكم، كلها تهدد بتجدد الحرب الأهلية الطائفية في لبنان، خاصةً مع دفع كل من باريس وواشنطن باتجاه تقديم كبار قادة حزب الله المتهمين أمام محكمة لاهاي. وكذلك تبقى احتمالات نشوب حرب أهلية جديدة مرتفعة جداً، فيما لو صدرت الأوامر للجنود المسلمين والسُنة في الجيش اللبناني بمهاجمة المليشيات الشيعية المسلحة الموالية لحزب الله. حينها سوف يحدث انقسام كبير داخل الجيش اللبناني. وتلك هي الطريقة نفسها التي اندلعت بها الحرب الأهلية الطائفية في عام 1975. فهل هذا ما تريده هيلاري كلينتون ونظيرها وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير، بدفعهما باتجاه تسليم متهمي "حزب الله" إلى محكمة لاهاي؟ ثم هناك احتمال آخر تنبأ به "إيموس يالدن" -رئيس جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية- بتنبيهه للجنة الشؤون الخارجية التابعة للكنيست الإسرائيلي، لخطورة "حزب الله" ومقدرته على فرض سيطرته على لبنان كله خلال ساعات فحسب. فإلى جانب مليشياته المسلحة، يتمتع الحزب بأغلبية كبيرة موالية له بين صفوف الجيش اللبناني، فضلاً عن وجود اتفاق ضمني بين الساسة اللبنانيين بأحقية الحزب في أن تكون له مليشياته المسلحة الخاصة، عوضاً عن ضعف تمثيله في البرلمان والحكومة اللبنانية. وبالنظر إلى دروس المواجهة العسكرية الأخيرة بين إسرائيل والحزب، فإذا ما نشبت حرب جديدة، فإنها سوف تكون أكثر دماراً بما لا يمكن مقارنتها بأي حرب سابقة شهدها الجنوب اللبناني. وإلى جانب ذلك كله، تكشف الأحداث الجارية الآن في لبنان، عن تدخلات قوى إقليمية عديدة في الشأن الداخلي اللبناني، تماماً مثلما حدث في الحرب الأهلية التي استمرت بين الأعوام 1975-1990. وعلاوة على هذه التدخلات جميعاً، تعلو نذر التهديدات العسكرية الإسرائيلية فوق سماء لبنان. مهمة لن تكتمل تحت عنوان "العراق... مهمة لم تكتمل بعد"، رأت صحيفة "الجارديان" في افتتاحيتها ليوم السبت الماضي أن أوباما أشاد قبل شهرين بنهاية العمليات القتالية التي كانت تقوم بها القوات الأميركية في العراق، غير أن النزاع المسلح لم ينته بعد هناك في حقيقة الأمر. وعلى الصعيد نفسه ذكرت الافتتاحية أن الرئيس السابق بوش تحدث أخيراً خلال اللقاء التلفزيوني الذي أجري معه حول كتاب مذكراته الذي صدر للتو، عن القرارات التي اتخذتها إدارته بشأن العراق وكأنها أصبحت جزءاً من الماضي. ولكن يجب القول إن معدلات العنف المرتفعة التي ينظر إليها المجتمع الدولي على أنها غير مقبولة إلى اليوم في العراق، ليست عشوائية ولا ناتجة عن أحداث وهجمات متفرقة. فلا يمر أسبوع واحد في العراق، دون أن يشهد سلسلة من التفجيرات والهجمات المنسقة، التي يتم تنفيذها بالتزامن ويقع ضحاياها العشرات بل أحياناً المئات من المدنيين بين جرحى وقتلى. وفي الأسبوع الماضي شن المتمردون سلسلة من الهجمات والتفجيرات هي الأسوأ منذ الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، حيث استخدمت فيها السيارات المفخخة والقنابل والمتفجرات التي تزرع في جانبي الطرق، وقد راح ضحيتها 63 على الأقل، بينما تجاوز عدد الجرحى والمصابين الثلاثمائة ضحية. يجب القول إن المسيحيين هم الفئة الأشد استهدافاً من قبل المتمردين بهذه العمليات. إلى ذلك لا تزال التدخلات الإقليمية في ترتيب شؤون الحكم العراقي مستمرة بين دول الجوار السنية والشيعية، وهذا ما يؤجج نيران النزاع الطائفي الداخلي. وعلى رغم إشادة واشنطن بالإعلان عن تشكيل الحكومة العراقية مؤخراً، واصفة إياه بأنه يمثل خطوة كبيرة للأمام، فإن الأمل أن يعكس هذا التشكيل مؤشراً إيجابياً للاستقرار الأمني والسياسي هناك. ولكن الحقيقة أن العراق لا يزال مهمة لم تنته بعد في عهد إدارتين أميركيتين متتاليتين. خطر على الاقتصادات الأفريقية قالت افتتاحية صحيفة "ذي أوبزرفور" في عددها الأخير، إن حماية كبرى الدول الصناعية الـ20 لتجارتها ومنتجاتها، يسبب ضرراً بالغاً باقتصادات الدول الإفريقية. وهناك طرق مختلفة يمكن لقادة الدول الكبرى الذين انفضت قمتهم الأخيرة في سؤول قبل أيام فحسب، أن يصوروا بها اجتماعهم هذا على أنه يمثل تقدماً باتجاه تعزيز التعاون بينهم من أجل تفادي تكرار أزمة مالية عالمية لا تزال كافة الدول تعاني آثارها. غير أن القمة لم تحقق شيئاً يذكر باتجاه تعميم العولمة واقتسام مزاياها وفوائدها بين الدول الغنية والفقيرة. والحقيقة أن قمة العشرين الأخيرة تلحق أضراراً كبيرة باقتصادات الدول النامية، لا سيما في القارة الأفريقية، لكونها عززت إجراءات حماية كبرى الدول الصناعية الغنية لتجارتها ومنتجاتها، على حساب اقتصادات الدول الفقيرة والنامية. إعداد: عبدالجبار عبدالله