الحديث الأهم، هذه الأيام، في أبوظبي يتركز على النقلة النوعية للمدينة، الكل يتحدث عن تطوير أبوظبي. والطموح هو أن تكون عاصمتنا إحدى أفضل خمس مدن في العالم. وباستقراء المؤشرات والتقارير العالمية، فإن أبوظبي تسير نحو تحقيق الطموح. وبمراقبة التفاصيل، فإن هناك تغيراً كبيراً وملموساً في وسائل النقل العام، أحد المعالم الرئيسية في المدن العالمية، وهي فكرة ناجحة أعطت للمدينة معنى مغايراً. وهناك خطط ومساعٍ لتنظيم مواقف السيارات في المدينة، وقد حققت نسبة لا بأس بها من المصداقية. نعم، هناك بعض الهفوات، وهذا طبيعي في كل عمل جديد. لا يوجد عمل بدون ملاحظات، إلا أنها فكرة ناجحة. الطرق الحديثة حققت انسيابية حركة السير ولم تعد الأمور كما كانت، بل تشير التوقعات إلى أنه بانتهاء المشروعات ستكون الحركة أكثر سلاسة. وبين الحين والآخر نسمع ونرى افتتاح المراكز التجارية (المولات)، وهناك أحاديث بأنه قبل نهاية العام سوف يتم افتتاح أكثر من مركز تجاري جديد. "المولات" في الوقت الحاضر عبارة عن مجتمعات جديدة فيها كل شيء؛ فهي ملتقيات للشباب، وأماكن للترفية والتسوق، بل يبالغ البعض فيرى أنها سبب في تطوير الأحياء. والدوائر الخدمية؛ مثل الاتصالات والشرطة وبعض الوزارات، خرجت بتفكيرها من "الصندوق" وفتحت فروعاً لها في العديد من المناطق خدمةً للجمهور، وتخلت عن البيروقراطية ونظرت نظرة شمولية لتسهيل العمل وإنجازه وتخفيف العبء من على كاهل المواطن والمقيم، في دلالة على نقل المدينة إلى آفاق واسعة من التحضر. "عاصمتنا" لم تعد تركز فقط على البناء العمراني، بل إن المنظر الجمالي للمبنى أحد المعايير الموضوعة، فصارت هناك دلالات للمباني الجديدة تتوافق وشخصية أبوظبي. أذكر هذه النقاط الإيجابية ليس من باب المدح والإطراء، وإن كانت الجهود المشاهدة تستحق ذلك، ولكن من منطلق أهمية النظر إلى المدينة بنظرة شمولية، كي نحافظ على هذه الجهود الكبيرة التي اعتدنا رؤيتها فصارت سمة تميز مدينة أبوظبي. لكن هناك مناطق داخل أبوظبي تحتاج إلى الاهتمام والمراعاة لتكتمل الصورة الجمالية للمدينة ولزيادة إسعاد الناس. أبوظبي نجحت في الكثير من الأشياء. وما يشجعني على إبداء بعض الملاحظات أن بلدية أبوظبي، الجهة المسؤولة عن تطوير المدينة، أطلقت مبادرة للارتقاء بمظهر العاصمة بهدف تعزيز موقعها كإحدى أفضل المدن على الخريطة العالمية. فهذه أفضل مناسبة لطرح الأفكار. هناك مناطق لا تبعد "جغرافياً" عن وسط المدينة كثيراً، لكنها تبعد "جمالياً" بمسافة كبيرة وتجد الأمر مختلفاً تماماً عن داخل المدن. شخصياً، أنا من الناس الذين يؤمنون بأن كل منطقة سكنية ينبغي أن يتم تخصيص أماكن للترفيه وللرياضة فيها. فهي أماكن "تحمس" السكان على ممارسة الرياضة. منطقة الكورنيش خير دليل؛ فقبل سنوات لم يكن فيها هذا الكم من ممارسي الرياضة، لكن اليوم ربما تجد مئات الأشخاص يمارسون الرياضة فيها يومياً وتغير الحال؛ ما يعني أهمية خلق مثل هذه النماذج في أماكن أخرى بأبوظبي، وخاصة أن المساحات التي يمكن تخصيصها لهذا الغرض موجودة. معظم العائلات الإماراتية تسكن هذه الشعبيات والمناطق، وبالتالي من حقهم أن يجدوا أماكن لكسر الملل والجلوس داخل البيوت. هذه الملاحظة رغم صغرها فإنها تكمل المسألة التطويرية لمدينة أبوظبي؛ لأن مشاهدة الناس البعيدين عن الكورنيش وهم يمارسون الرياضة وسط الشعبيات ويقطعون الشوارع والدروب، لحاجتهم إلى ما يخفف عنهم ضغوطات الحياة اليومية، تؤكد لك مدى أهمية ذلك الأمر. الرياضة والحركة عموماً في الإمارات حاجة وليست رفاهية، ويجب الانتباه لها بشكل حقيقي.