قليلة هي القضايا التي يتفق عليها المحافظون الذين صعدوا إلى الكونجرس في الانتخابات الأخيرة، كما هو الحال بالنسبة لمعارضتهم القاطعة للعمل الحكومي حول التغير المناخي. وللتدليل على ذلك يمكن الإشارة إلى الدراسة التي أنجزها مركز التقدم الأميركي في سبتمبر الماضي وهمت مرشحي الكونجرس وحكام الولايات من الجمهوريين، حيث خلصت إلى أنهم جميعاً يشككون في التوافق العلمي حول الاحتباس الحراري، كما لا أحد منهم أيد الإجراءات المخففة له. فمثلاً صرح "روبرت هورت" الذي فاز في الانتخابات الأخيرة بأحد مقاعد ولاية فيرجينيا، بأن "التشريعات المرتبطة بالطاقة النظيفة ستفشل في تحقيق أي شيء مفيد عدا إلحاق الضرر بالناس". أما حركة "حفلة الشاي" التي حققت مكاسب مهمة في انتخابات الكونجرس، فاعتبرت في بيان لها أن التشريعات الصديقة للبيئة "مكلفة للغاية وتساهم في رفع معدلات البطالة والزيادة في أسعار السلع، فضلاً عن إضعاف القدرة التنافسية للصناعة الأميركية، وكل ذلك دون أي تأثير حقيقي على درجات الحرارة في كوكب الأرض". بل إنه حتى المحافظين الذين كانوا في السابق يدافعون عن التشريعات المخففة للاحتباس الحراري فضلوا الصمت والتواري عن الأنظار، لكن الحقيقة التي لا يدركها المحافظون أنه ليس من مصلحتهم إنكار الاحتباس الحراري لأنه في حال حدوثه وتسببه في كوارث طبيعية، فلا مناص من تدخل الدولة لجبر الضرر ومساعدة الضحايا. بعض المحافظين يبررون معارضتهم لسياسات الطاقة النظيفة، بالقول إنهم يريدون إبقاء الحكومة الفدرالية بعيداً، والحال أنه بتجاهلهم للاحتباس الحراري يمهدون الطريق للتدخل الحكومي. ومع أني أنتمي عموماً إلى الفكر التقدمي وأومن بالدور المهم الذي يتعين على الحكومة لعبه في الحياة العامة، فإني لا أجد ضيراً في بعض المبادئ التي يعتنقها المحافظون، بل أساندها، مثل المسؤولية الشخصية والادخار والمحاسبة... لذا أعتقد أن هذه القيم الأثيرة على المحافظين تتعرض إلى الخطر من خلال إنكارهم للاحتباس الحراري ومعارضتهم أية إجراءات حكومية ترمي إلى الحد منه والتخفيف من وطأته. فعالم يعاني من آثار التغير المناخي لن يكون بمنجى عن اليد الحكومية، ولن يكون الفرد فيه بمنأى عن القوانين الصارمة والمقيدة لحركته، كما أن الشركات سيكون عليها الالتزام بالسياسات العامة بسبب الوضع السيئ للكوكب وتزايد الكوارث الطبيعية. ونحن نعرف مثلاً أنه عندما يواجه رجل أعمال احتمال الخسارة فهو يلجأ فوراً إلى شراء بوليصة التأمين وحماية أصوله، وعندما يندلع وباء ما يسارع موظفو الصحة العمومية إلى إنتاج اللقاح المناسب وعلاج المصابين، وعندما يقيم العسكريون الوضع في حالة الحرب فإنهم يرسمون أسوأ السيناريوهات تحسباً للمفاجأة... لكن عندما يتعلق الأمر بالاحتباس الحراري الذي ما فتئ العلماء يحذرون من خطورته نجد موقفاً سلبياً من المحافظين الذين يكتفون بالتفرج والمعارضة دون القيام بشيء. فهم يضعون بيضهم في سلة واحدة مفترضين أن التغيرات المناخية لن تحدث أبداً، دون الأخذ في عين الاعتبار احتمال تسارع وتيرته وتحوله إلى أمر واقع، مختفين وراء أوهامهم بأن الإجماع العلمي حول الاحتباس الحراري مجرد سراب! والمفارقة أنه في حال ثبتت حقيقة الاحتباس الحراري وتأكد خطأهم فستكون النتيجة من حيث التدخل الحكومي والكلفة العامة أفدح بكثير مما يحاولون التهرب منه اليوم، حينها ستصبح "الحكومة الكبيرة" التي يتوجسون منها أمراً واقعاً تفرضه طبيعة الأمور. ولنبدأ أولاً بالكلفة، فالاستثمارات التي نحتاجها اليوم للجم الاحتباس الحراري والتخفيف من أضراره لا تتعدى 1 إلى 2 في المئة من الدخل المحلي الإجمالي سنوياً، وذلك لتوفير التكنولوجيا المتطورة والاستخدام الأفضل للأراضي وتحديث البنية التحتية، وفي حال الانتظار حتى بدء ظهور ملامح التغير المناخي، فإن الكلفة ستصعد إلى مستويات مرتفعة بسبب الأضرار التي ستلحق بالمحاصيل الزراعية والممتلكات إذ يقدرها الباحثون بما يتراوح بين 5 و20 في المئة من الدخل المحلي الإجمالي. والمشكلة ليست فقط في الكلفة الآنية للاحتباس الحراري بل في التداعيات بعيدة المدى على المستوى الاقتصادي أو الإنساني العام. فالعلم الحديث يشير اليوم إلى أنه بدون التدخل لوضح حد للاحتباس الحراري وتبني طرق جديدة ونظيفة لتوليد الطاقة، سيشهد العالم ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة تتراوح بين 9 و11 درجة على مقياس فهرنهايت بحلول عام 2020، مع التأثير المباشر لذلك على الولايات المتحدة. وعندما تصل درجة الحرارة إلى هذا الحد يتوقع العلماء أن تعاني المنطقة الجنوبية الغربية للولايات المتحدة جفافاً ِِمزمناً يمتد من ولاية كنساس وحتى كاليفورنيا، وفي هذه الحالة سيجد المحافظون أنفسهم إزاء مشكلة الدعم الحكومي للقطاع الزراعي الذي سيصعب وقفه، كما يطالب المحافظون. هذا في الوقت الذي ستقضي فيه نسبة الملوحة المرتفعة في مياه المحيطات على مناطق الصيد وستفرض بالتالي على الصيادين قوانين يكرهها المحافظون. هذا ناهيك عن تعزيز الولايات الساحلية لبنيتها التحتية تحسباًِ لارتفاع منسوب مياه البحر وما يحتاجه ذلك من تدخل حكومي مباشر ستدفع ثمنه الأجيال القادمة التي سيكون عليها تسديد الفاتورة عبر الضرائب، ليجد المحافظون أنفسهم في النهاية أنهم من تسبب في تقويض مبادئهم القائمة على عدم التدخل الحكومي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ براكين هيندريكس باحث بارز في مركز التقدم الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"