قد يعتقد الجمهوريون أن التقدم الواضح الذي أحرزوه في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس سيعرقل بشكل كبير إعادة انتخاب أوباما في استحقاقات عام 2012 الرئاسية ولكن التاريخ نفسه لا يؤكد هذا الاستنتاج، إذ عادة ما يأتي أداء الرئيس في الانتخابات النصفية سيئاً دون أن يعني ذلك أنه سيفقد ولايته الثانية. غير أن الوضع هذه المرة بالنسبة لأوباما قد يختلف، لاسيما في ظل الإشارات المتلاحقة وغير المطمئنة القادمة من مرشحين محتملين قد ينازعون أوباما في ترشيح الحزب الديمقراطي، ففي خطاب الهزيمة فسرت وسائل الإعلام تصريح السيناتور "راسل فينجولد" من ولاية ويسكونسن قوله "سنمضي قدماً إلى 2012" أنه يعني التنافس مع أوباما على تزكية الحزب الديمقراطي لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة، وهو أسوأ ما يمكن أن يتعرض له الرئيس في حال ثبتت تخمينات وسائل الإعلام، على رغم أن السيناتور نفسه نفى أن يكون قد قصد من كلامه ما فهمه الإعلام. والحقيقة أنه لو قرر "فينجولد" الترشح كطرف ثالث، أو مستقل فإنه لن يشكل أي خطر فعلي على أوباما كما تدل على ذلك محاولة "جون أندرسون" السابقة الذي تحول من الحزب الجمهوري إلى سياسي مستقل وحاول دون جدوى تحدي الرئيس في انتخابات عام 1980. فمع أن المرشحين المستقلين عادة ما يحرمون الرئيس الساعي إلى إعادة الانتخاب من أصوات مهمة إلا أن هزيمتهم تبقى سهلة. ولكن تحدي أوباما من داخل الحزب الديمقراطي حتى لو كانت فرص نجاح المرشح الخصم ضئيلة يظل مع ذلك تهديداً لا يستهان به قد ينال من حظوظه في الانتخاب لولاية ثانية، وهنا يمكن الرجوع إلى تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية لاستخلاص الدروس والعبر. فمنذ عام 1900 والرؤساء يحققون نجاحاً مستمراً في إعادة انتخابهم لولاية ثانية وذلك بوتيرة مرتفعة تصل إلى مرتين في كل محاولة، وهو تغير ملحوظ في التاريخ الانتخابي مقارنة بما كان عليه الوضع في القرن التاسع عشر عندما كانت القاعدة هي ألا يتجاوز الرئيس ولايته الأولى. وإذا ما احتسبنا الرجال الأربعة الذين تقلدوا الرئاسة في ولايتهم الأولى بسبب وفاة الرئيس السابق وهم تيودور روزفلت وكالفين كوليدج وهاري ترومان وليندون جونسون فإن بين باقي الرؤساء 12 فازوا بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية دون مشاكل، بل إن فرانكلين روزفلت وفي ظروف استثنائية انتخب لولاية ثالثة. وفي القرن الأخير سجل ستة فقط من الرؤساء الذين سعوا إلى إعادة الانتخاب مرة ثانية فخسروا المحاولة. وفي جميع تلك الإخفاقات لعبت مسألة منازعة الرئيس من قبل مرشح من داخل حزبه دوراً في تقليص حظوظه، ولعل كثيراً من المؤرخين يسجلون السباق المحتدم في عام 1912 بين تيدي روزفلت والرئيس ويليام هوارد تافت، ولكن في منذ ذلك الوقت تراجع تأثير الانتخابات التمهيدية داخل الأحزاب ودورها في إسقاط الرؤساء إلى أن عاودت الظهور مرة أخرى في ستينيات القرن الماضي. وهذا الرجوع القوي تؤكده انتخابات عام 1968 عندما تنافس من داخل الحزب نفسه كل من السيناتور "يوجين ماكارثي" من ولاية نيوهامبشر وروبرت كيندي من نيويورك ليتمكن هذا الأخير من الإطاحة بالرئيس ليندون جونسون. وفي عام 1976 عقب فضيحة "ووترجيت" بالكاد استطاع الرئيس فورد هزيمة المرشح الصاعد وقتها، رونالد ريجان. أما كارتر فقد تعرضت حملته لإعادة الانتخاب في عام 1980 لنكسة كبيرة بسبب دخول السيناتور إدوارد كيندي من ماساتشوسيتس على الخط ومنافسته له في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي. وفي السياق نفسه تعرض بوش الأب لحرج كبير عندما دخل معه "بات بوكنان" الانتخابات التمهيدية لعام 1992 واستطاع حرمانه من 37 في المئة من أصوات الجمهوريين التي استفاد منها. والحقيقة أن الانتخابات التمهيدية على ما تنطوي عليه من مشاكل ليست مُضرة بالمرشح في جميع الأحوال، لاسيما إذا كانت المرة الأولى التي يدخل فيها المرشح السباق الانتخابي ولا ينافس من موقع الرئيس، حينها تعطي تلك الانتخابات التمهيدية الفرصة للمرشح الأوفر حظاً لعرض خططه واستراتيجيته والانتقال إلى ولايات عديدة للتعرف إلى الناخبين. ولكن بالنسبة لمن يشن حملة من داخل البيت الأبيض لإعادة انتخابه فإن الانتخابات التمهيدية مع مرشح من الحزب نفسه قد تكلفه باهظاً. فالرئيس الذي يتمرد عليه أعضاء من حزبه غالباً ما يكون يواجه فضيحة، أو مشاكل سياسية كبيرة، كما أن المرشح الذي يلعب دور المتحدي للرئيس يستغل في كثير من الأحيان الوضع للتشديد على ضعف الرئيس العاجز حتى عن توحيد صفوف حزبه. وحتى لو فاز الرئيس في الانتخابات وتغلب على المرشح المتمرد فإن النتائج تضعه في موقف حرج سواء داخل الحزب أو خارجه تماماً كما حصل مع بوش الأب في عام 1992. وبالرجوع إلى تلميحات "فينجولد" فيما يتعلق باحتمال تمرده على أوباما في الانتخابات المقبلة فإنه من الصعب تخيل حصوله أصلاً على تزكية الحزب الديمقراطي، فهو يمثل أقصى اليسار في الحزب، كما أنه غير مستعد بالنظر إلى انضباطه المبدئي بشأن عدم خرق قوانين تمويل الحملات الانتخابية التي لا يحترمها أحد، وبالتالي سيكون عاجزاً عن جمع مئات الملايين من الدولارات لتمويل حملته وإيصال صوته إلى الناخبين، ولكن على رغم ذلك يتعين على أوباما الحذر من المتمردين داخل حزبه واحتمال ترشح أحدهم في إحدى الولايات حتى لو كانت فرص فوزهم شبه منعدمة. جوشوا سبيفاك ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ باحث في معهد الإصلاح الحكومي بجامعة "واجنر" بنيويورك ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"