"يني أذربيجان" أو "أذربيجان الجديدة"، هو الحزب الفائز بالانتخابات العامة الأذرية خلال الأسبوع الماضي، وينتظر أن يؤدي فوزه الساحق، ليس إلى تغيير التوجهات الحالية، السياسية والاقتصادية والأمنية، في الجمهورية السوفييتية السابقة الغنية بالنفط والغاز في منطقة القوقاز وعلى ضفاف بحر قزوين، بل إلى تجذيرها وزيادة نفوذ السلطة القائمة في باكو. فقد فاز "حزب أذربيجان الجديدة" بـ70 مقعداً من أصل مقاعد البرلمان الـ125، إضافة إلى ثلاثين مقعداً حصلت عليها أحزاب صغيرة موالية له، بينما كانت ذهبت بقية المقاعد إلى "المستقلين"، أما المعارضة فخرجت خاسرة لتصف الانتخابات بـ"المهزلة". وإذ أن "أذربيجان الجديدة" هو الحزب الحاكم بقيادة الرئيس الأذري إلهام علييف، فإن هذا الأخير يعد صانع الانتصار الانتخابي لحزبه، حيث ارتفعت أغلبيته النيابية من 65 مقعداً في البرلمان السابق إلى 70 في البرلمان الحالي، ما سيكون "فوزاً" إضافياً لعلييف الذي باتت سياسته الاقتصادية تحظى بتأييد ملحوظ في أوساط النخبة والشعب. وإلهام هو ثاني رئيس لأذربيجان منذ استقلالها عن الاتحاد السوفييتي عام 1991، وقد تولى مقاليد الحكم فيها منذ عام 2003، خلفاً لوالده حيدر علييف الذي حكم البلاد خلال عقد من الزمن. ولد إلهام علييف في باكو عام 1961، وهو الابن البكر لحيدر وزوجته "ظريفة عزيز" التي توفيت عام 1985. وكان حيدر قد أصبح مديراً للفرع الأذري من "الكي جي بي" حين كان إلهام في سن السادسة، ثم أصبح سكرتيراً عاماً للحزب الشيوعي في جمهورية أذربيجان السوفييتية الاشتراكية. وبعد أن أنهى إلهام دراسته الثانوية في باكو، التحق بمعهد العلاقات الدولية في موسكو، وحصل منه على شهادة الدكتوراه في التاريخ والعلاقات الدولية، قبل أن يصبح عضواً في هيئته التدريسية. بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991، أعلنت أذربيجان استقلالها تحت اسم "جمهورية أذربيجان"، لكنها سرعان ما شهدت اندلاع انتفاضة الأرمن في العاصمة باكو، وتكبدت هزائم مريرة في حربها الحدودية مع أرمينيا على إقليم "قره باخ"، ثم تصاعد الوضع الداخلي مع استيلاء قائد عسكري متمرد على مدينة "غنجة"، ثاني أكبر مدن البلاد. في تلك الظروف المتفاقمة، أصبح حيدر علييف، رئيس الحزب الشيوعي الأذري السابق الذي عزله جورباتشوف عام 1987، والذي أصبح في عام 1991 رئيساً لجمهورية "ناخيتشيفان" ذات الحكم الذاتي في إطار أذربيجان، والمعروف بصلاته القوية مع موسكو وطهران وأنقرة ويريفان، مرشحاً لاستلام مقاليد القيادة من خلال حكومة ائتلافية جديدة. فانتخبه البرلمان رئيساً له في 15 يونيو 1993، ثم بعد تسعة أيام اختاره البرلمان نفسه كرئيس للجمهورية بالإنابة بعد فرار الرئيس "التشي بيه"، إلى أن انتخب في اقتراع عام ومباشر كرئيس للبلاد في أكتوبر 1993. خلال تلك الفترة واصل إلهام إقامته في موسكو، لكنه ترك التدريس وتحول إلى مجال الأعمال الحرة، وأصبح مستثمراً يتنقل بين موسكو وأنقرة، ولم يعد إلى باكو إلا في عام 1994، قبل أن يعينه والده في مايو من ذلك العام نائباً لرئيس "الشركة الوطنية لبترول أذربيجان". وفي السنوات التالية تم انتخابه كنائب في البرلمان، وأصبح رئيساً للجنة الأولمبية الأذرية، ورئيساً للمندوبية الأذرية لدى المجلس الأوروبي. ورغم الخبرات التي اكتسبها، فإن المحطة المفصلية في حياته السياسية كانت في أغسطس 2003، أي شهرين قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في ذلك العام، حين أصدر والده الذي كان يتعالج في مستشفى بالولايات المتحدة الأميركية، قراراً بتعيينه رئيساً للوزراء، وهو المنصب الذي يتولى شاغله رئاسة الجمهورية بالوكالة تلقائياً في حالة وفاة الرئيس أو عجزه نهائياً عن ممارسة مهامه. ولم يلبث علييف الأب الذي تفاقمت حالته الصحية أن أعلن في أكتوبر 2003 تخليه عن الترشح لانتخابات الرئاسة وتقديم نجله كمرشح وحيد لـ"حزب أذربيجان الجديدة" الحاكم بقيادته. وجاءت نتيجة الانتخابات بفوز ساحق لإلهام الذي حصل على 76.8 في المئة من الأصوات، مقابل 13.9 في المئة لمنافسه الأقوى "عيسى قمبر". لكن تحالف المعارضة الذي كان يقوده "قمبر" رفض الاعتراف بتلك النتائج واعتبرها مزورة ونظم احتجاجات واسعة. لكن إلهام علييف تسلم مهامه كرئيس للبلاد في 31 أكتوبر 2003، وكان أول قرار اتخذه أن عين رئيساً للوزراء "آرتير راسيزاد" الذي شغل المنصب نفسه في عهد علييف الأب بين عامي 1996 و2003. وإلى جانب منصبه كرئيس للجمهورية، فقد انتخب علييف رسمياً في مارس 2005 كرئيس لـ"حزب أذربيجان الجديدة"، وهو ما اعتبرته المعارضة خرقاً للقانون الذي يحظر على رئيس الجمهورية عضوية الأحزاب السياسية. بل إن أعضاء المعارضة وناشطي حقوق الإنسان كثيراً ما اعتبروا أن حالة الحريات وحقوق الإنسان ساءت في عهد إلهام، حيث استمر منع التظاهر والاحتجاج، وواصلت الحكومة ضغوطها على المعارضة وعلى وسائل الإعلام المستقلة. ورغم ذلك فقد أعيد انتخاب علييف رئيساً لأذربيجان لولاية ثانية مدتها خمس سنوات، في 15 أكتوبر 2008 بما نسبته 88.7 في المئة من الأصوات، وإن سجل المراقبون الأوروبيون في تلك الانتخابات "غياب التعددية الحقيقية والديمقراطية"، فقد لاحظوا تقدماً معتبراً. كما استطاع إزالة القيود الدستورية على ترشح رئيس الجمهورية لأكثر من ولايتين متتاليتين. وفي عهد علييف الابن شهدت أذربيجان فورة اقتصادية واجتماعية كبيرة، فسجل اقتصادها معدلات نمو متزايدة، وتراجعت نسب الفقر والبطالة، وازدهر قطاع الأعمال والتجارة، وتوسعت مشاريع وورشات البنية التحتية... وهي مكاسب يعتبر كثير من موطني أذربيجان، والبالغ عددهم نحو تسعة ملايين نسمة، أنها ما كانت لتتحقق في ظل "ديمقراطية" تستنزف صراعاتها طاقة البلاد وتصرف اهتمام الساسة عن العمل الحقيقي لصالح التنمية على الأرض. وقد أفاد علييف في ذلك ليس فقط من عائدات الثروة النفطية الضخمة، ولكن أيضاً من الأهمية الاستراتيجية التي تمثلها أذربيجان بالنسبة للغرب في جهوده الرامية إلى تقليص تبعيته لروسيا في مجال الطاقة. هذا فضلاً عن كونها (أي أذربيجان) تشكل طريق عبور للقوات والإمدادات الأميركية المتوجهة إلى أفغانستان. لذلك فقد أصبحت العلاقة بين باكو والعواصم الغربية محل انتقاد في خطاب المعارضة الأذرية التي طالما أدانت مواقف الغرب في هذا الخصوص، متهمة إياه بالازدواجية والنفاق وبإعطاء الأولوية لمصالحه في أذربيجان على الديمقراطية! محمد ولد المنى